وأنا أنتظر جواباً شافياً (علمياً) من الأخ محمد الأمين فيما أجمله في الأسطر الأربعة المتقدم ذكرها حتى تعمَّ الفائدة ويكثر النفع.
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[11 - 03 - 04, 03:37 ص]ـ
- فائدة:
- قال الشيخ حمزة المليباري حفظه الله: ((وجدير بالذكر أن الإمام مسلماً لا يورد في صحيحه حديثاً معلولاً؛ إلاَّ على سبيل الاحتياط أو الاستئناس.
أو التتبع وبيان العلة.
أو الاستشهاد من الحديث بما لم تؤثر فيه علته.
ولا يذكر - رحمه الله - ذلك النوع المعلول من الأحاديث في أصل الموضوع، ولا في أول الباب ثم يعتمد عليه.
- وقال أيضاً: ((وطبيعي جداً أن يطرح هنا سؤال: إن كان الإمام مسلم يبين العلل على سبيل الاستطراد حسب ما أعلنه في مقدمة كتابه فما وجه الانتقادات الموجهة نحوه من قبل الإمام أبي مسعود الدمشقي والإمام الدارقطني وغيرهما من الأئمة؟ حيث إن الانتقاد لن يكون منهم إلا على أساس خرق الإمام مسلم لمنهجه إذ اشترط فيه صحة الأحاديث في كتابه كله، ولو كانت تلك الأحاديث المنتقدة لم يذكرها مسلم إلا لشرح عللها لما وجد وجه للانتقاد والطعن إذن.
أقول: هذا سؤال وجيه وجدير بالإجابة، وقد ألف الإمام الدارقطني كتاباً أسماه "التتبع" وأوضح فيه موضوعه ومضمونه، يقول الدارقطني في مستهل كتابه التتبع:
"ابتداء ذكر أحاديث معلولة اشتمل عليها كتاب البخاري ومسلم أو أحدهما بينت عللها والصواب منها" (الإلزامات والتتبع للإمام الدارقطني (ص/120).
وهذا النص واضح جداً في موضوع هذا الكتاب هو ذكر أحاديث معلولة اشتمل عليها كتاب البخاري ومسلم أو أحدهما مع بيان عللها والصواب منها، وأنه لم يلمح فيه إلى أن الانتقاد سوف يوجه صوب صنيع الشيخين في صحيحيهما على أساس أن كلاً منهما قد أخلا بشروط كتابيهما، لأنه قال: "اشتمل عليها" ولم يوضح على أي وجه اشتمل عليها، وهو شامل لجميع أنواع الأحاديث، سواء اشتمل عليها على وجه الاحتجاج أم على وجه الاستئناس والاحتياط والاستشهاد أم على وجه التتبع وشرح العلل، ولم يقل – رحمه الله – "ذكر أحاديث معلولة احتج بها كل منهما في أصولهما".
والذي يبدو بوضوح من محتوى كتاب التتبع وإمعان النظر في عمل الدارقطني فيه أن الأحاديث التي بين عللها تصنف على أنواع:
منها: الأحاديث التي احتج بها البخاري ومسلم.
ومنها: ما أورده كل منهما في المتابعات.
ومنها: ما أورده كل منهما على سبيل الاحتياط أو الاستئناس.
ومنها: ما أورده كل منهما على سبيل التتبع وبيان العلل.
ومنها: ما ذكره مسلم في المقدمة.
أما النوع الأول فعدده قليل جداً بالنسبة إلى الأنواع الأخرى إلا النوع الأخير، والذي يصلح فيه القول أن الشيخين قد أخلا فيه بشروطهما والتزامهما بها هو النوع الأول دون سواه، فإن الأنواع الأخرى كلها تكون خارج الأصول، ولم يذكرا شيئاً منها إلا على سبيل الاعتضاد أو الاحتياط أو الاستئناس أو التتبع وشرح العلة، وغاية ما يقال بالنسبة إلى هذه الأنواع أن الإمام الدارقطني أوضح السبب الذي كان يدفع كلاً من البخاري ومسلم إلى أن يذكرا الأحاديث على ذلك النحو هو وجود علة فيها، وفي نفس الوقت فإن الإمام الدارقطني يفيدنا أيضاً من خلال تتبعه لأحاديث الصحيحين دقة الشيخين في تصحيح الأحاديث وتعليلها ووضعها في مواضعها اللائقة من الصحيح. أما البخاري فكثيراً ما يرويها معلقة بينما يوردها مسلم في أواخر الباب.
وعندما نلفي الإمام الدارقطني يؤيد أحياناً صنيع الشيخين في التصحيح أو التعليل أثناء التتبع.
أو نلفي الإمام أبا مسعود الدمشقي يصرِّح في بعض المواضع من التتبع أن الإمام مسلماً إنما أراد تبيين الخلاف لا أنه يثبت الحديث = يمكننا أن نقول:
إنَّ هؤلاء الأئمة لم يقصدوا بتتبعهم لأحاديث الشيخين توجيه الطعن نحوهما لسبب إخلالهما بشروط الصحيح وعدم التزامهما بها، وإنما أرادوا أن يبرزوا الفوائد النقدية التي تكمن في صنيعهما والتي تحتاج إلى توضيحها.
كما أرادوا أن يؤكدوا بأنَّ الكتابين من أصحَّ ما صنفه البشر على الإطلاق.
حيث إنهم لم يتحصلوا من خلال تتبعهم على جانب الإخلال إلا في عدد قليل جداً من جملة الأحاديث التي تربو على سبعة آلاف حديث.
وهو أمر طبيعي جداً لا غرابة فيه.
ونستخلص من هذه اللفتة الاستدراكية أن النتائج التي أسفر عنها تتبع الأئمة لأحاديث الشيخين هي الفوائد النقدية والمسائل الإسنادية التي يضمها الصحيحان؛ لا أنهما قد أخلا بشروطهما في أحاديثهما.
ومن هنا نجد شرَّاح الصحيحين ممن تولى الإجابة على الدارقطني في انتقاداته يقولون: هذا الانتقاد لا يضرُّ في أصل الحديث، وإنما ذكره الشيخان في المتابعة، ويسع فيها ما لا يسع في الأصول، أو لم يذكره الشيخان إلا لبيان الاختلاف.
وليس بخاف على أحد أن الإمام الدارقطني على علم تام بأن الشيخين لم يذكرا معظم الأحاديث المعلَّلة على سبيل الاحتجاج)).
- وقال أيضاً: " والإمام مسلم لا يختلف عن النقاد في مسألة زيادة الثقة، ومذهبهم فيه واحد، وهو أن يتوقف القبول والرد على دلالة القرائن التي تحف بالحديث، أما قبولها مطلقاً أو ردها مطلقاً فليس من مذهبهم بشيء.
ولهذا قال الحافظ ابن رجب الحنبلي:
"وليس ذلك – يعني قبول زيادة الثقة – قول مسلم ولا قول أئمة الحافظ".
وقال الحافظ ابن حجر: "والتحقيق أن الشيخين ليس لهما في تقديم الوصل عمل مطرد بل هو دائر مع القرائن مهما ترجح بها اعتمداه". الفتح 12/ 312
قال الحافظ ابن حجر: " والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه – أي ما زاده الثقة – بحكم مستقل من القبول والرد بل يرجحون بالقرائن ". النكت 2/ 687.
وبهذا نستطيع الجزم بأن الإمام مسلماً لا يقبل زيادة الثقة مطلقاً ")).
¥