فابن عباس رضي الله عنه يتكلم عن فئة من المؤمنين مخلصة لا يمكن أن ترتد لذا الله تعالى لا يرضى قدرا وقوع الكفر منهم فيجتمع في حقهم عند الله تعالى بغض وقوعهم في الكفر و كذلك عدم إرادة وقوع الكفر منهم و هذا لا يناقض أصول أهل السنة و الجماعة بإثبات البغض و السخط و الرضى و غيرها من صفات الإختيارية.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله (قيل ليس كذلك فإن قبض العلم ليس قبض القرآن بدليل الحديث الآخر (هذا أوان يقبض العلم (فقال بعض الأنصار وكيف يقبض وقد قرانا القرآن وأقرأناه نساءنا وأبناءنا فقال (ثكلتك أمك إن كنت لأحسبك لمن أفقه أهل المدينة أو ليست التوارة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا يغنى عنهم (
فتبين أن مجرد حفظ الكتاب لا يوجب هذا العلم لا سيما فإن القرآن يقرأه المنافق والمؤمن ويقرأه الأمى الذى لا يعلم الكتاب إلا أمانى وقد قال الحسن البصرى (العلم علمان (علم فى القلب وعلم على اللسان فعلم القلب هو العلم النافع وعلم اللسان حجة الله على عباده (فإذا قبض الله العلماء بقى من يقرأ القرآن بلا علم فيسرى عليه من المصاحف والصدور
فإن قيل ففى حديث حذيفة الذى فى الصحيحين أنه حدثهم عن قبض الأمانة وأن (الرجل ينام النومة فتقبض الأمانة من قبله فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل اثر المحل كجمر دحرجته على رجلك فتراه منتبرأ وليس فيه شىء (قيل وقبض الأمانة والإيمان ليس هو قبض العلم فإن الإنسان قد يؤتى إيمانا مع نقص علمه فمثل هذا الإيمان قد يرفع من صدره كإيمان بنى إسرائيل لما رأوا العجل واما من أوتى العلم مع الإيمان فهذا لا يرفع من صدره ومثل هذا لا يرتد عن الإسلام قط بخلاف مجرد القرآن أو مجرد الإيمان فإن هذا قد يرتفع فهذا هو الواقع
لكن أكثر ما نجد الردة فيمن عنده قرآن بلا علم وإيمان او من عنده إيمان بلا علم وقرآن فأما من أوتى القرآن الإيمان فحصل فيه العلم فهذا لا يرفع من صدره).
و تدبر قول ابن عباس بعدها (وهم عباده المخلصون الذين قال فيهم: إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهمْ سُلْطانٌ فألزمهم شهادة أن لا إله إلا الله وحَبَّبها إليهم).
ففسر ابن عباس هنا القرآن بالقرآن فقوله تعالى (وَلا يَرْضَى لِعِبادِهِ الكُفْرَ) فسره ابن عباس بقوله (إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهمْ سُلْطانٌ) و قوله (فألزمهم شهادة أن لا إله إلا الله وحَبَّبها إليهم) و هنا الإلزام القدري لا الشرعي لأن الإلتزام الشرعي مطلوب من جميع الخلق و من لم يكن للشيطان عليه سبيل أو سلطان لا يرتد أبدا.
فالله تعالى لا يرضى بالكفر على العموم و لا يرضاه لأهل الإخلاص خصوصا ولا يريده لهم قدرا.
فاجتمع لأهل الإخلاص بغض الكفر و عدم وقوعه منهم قدرا أما غيرهم فقد يقع منهم قدرا و هي الإرادة الكونية و إن كان الله تعالى لا يرضى به شرعا و يطالبهم ببغضه و تركه.
هذا ما فهمته من استشكال الأخ الفاضل أبو مجاهد.
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[05 - 08 - 04, 12:26 م]ـ
و هنا أمر مهم يجب التنبه له و هي ما هو المعهود من معنى الرضى في كتاب الله تعالى.
فمعنى الرضى الوارد في كتاب الله تعالى لا يأتي إلا بمعنى الموافقه على الشئ مع المحبة له.
قال تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} المائدة3.
و قال {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} المائدة119.
¥