وتابعهما عن يزيد بن يزيد: أحمد بن عبد الله البرقى، إلا أنه خالفهما على سنده، فقال ((أبو إسحاق الفزارى))، وأتى بمعانٍ مغايرة فى وقت فطره، ووصف المائدة، ولم يذكر شربه من زمزم مرة كل عامٍ.
فقد أخرجه الحاكم (2/ 674) قال: حدثني أبو العباس أحمد بن سعيد المعداني ببخارا أنا عبد الله بن محمود نا عبدان بن سيَّار حدثني أحمد بن عبد الله البرقي ثنا يزيد بن يزيد البلوي ثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن مكحول عن أنس بن مالك قال: ((كنا مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، فنزلنا منزلا، فإذا رجل في الوادي يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة، المغفورة المتاب عليها، قال: فأشرفت على الوادي، فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع، فقال لي: من أنت؟، قلت: أنا أنس بن مالك خادم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فأين هو؟، قلت: هو ذا يسمع كلامك، قال: فائته فاقرئه السلام، وقل له: أخوك إلياس يقرئك السلام، قال: فأتيت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرته، فجاء حتى لقيه، فعانقه وسلَّم، ثم قعدا يتحدثان، فقال له: يا رسول الله إني ما آكل في السنة إلا يوما، وهذا يوم فطري، فآكل أنا وأنت، قال: فنزلت عليهما مائدة من السماء، عليها خبز وحوت وكرفس، فأكلا، وأطعماني، وصلينا العصر، ثم ودَّعه، فرأيته مرَّ في السحاب نحو السماء)).
وأخرجه البيهقى ((دلائل النبوة)) (5/ 422:421) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بسنده ومتنه سواء.
وأخرجه ابن عساكر ((تاريخ دمشق)) (9/ 212) من طريق البيهقى به مثله.
وقال أبو عبد الله الحاكم: ((صحيح الإسناد ولم يخرجاه)).
وقال أبو بكر البيهقي: ((إسناد هذا الحديث ضعيف بمرة)).
وتعقبه الحافظ الذهبى بقوله: ((هذا موضوع، قبَّح الله من وضعه. وهذا مما افتراه يزيد البلوي)).
وقال أبو الفرج بن الجوزى: ((هذا حديث موضوع لا أصل له. ويزيد الموصلي، وأبو إسحاق الجُرَشِيّ لا يعرفان. وقد روى أبو بكر النقاش أن محمد بن إسماعيل البخاري سئل عن الخضر وإلياس هل هما في الاحياء؟، فقال: كيف يكون هذا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على ظهر الأرض أحد)).
قلت: وهو كما قال الحافظان ابن الجوزى والذهبى، وقد افتضح واضع هذا الحديث بالجهل والسذاجة. فأمارات الوضع لائحة عليه، لا تخفى على من له أدنى معرفة بحقائق الشريعة، ومن الدلائل على وضعه:
[أولاً] قوله ((طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع))، فهذا من أسمج الكلام وأبعده عن حقيقة خلق بنى آدم، بله وخلق أبيهم آدم عليه السلام، فإنه لم يزد على ستين ذراعاً. ففى ((كتاب الأنبياء)) من ((صحيح البخارى)) (3079) قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((خَلَقَ اللهُ آدَمَ، وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ، فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ: تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ)).
فهذا بيِّن أن طول إلياس عليه السلام دون الستين ذراعاً ((فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ)).
[ثانياً] أنه لو كان إلياس عليه السلام حيَّاً زمن بعثة النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ما وسعه أن يجوب الفلوات، ويسكن الكهوف والمغارات، ويأوى مجاهل الشام، ولا يأتى بين يدى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليؤمن به ويؤازره وينصره، ويندرج فى جملة أصحابه وأتباعه، تصديقاً لقول الله تعالى ((وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ
¥