وقد روى حديث ابن عمر هذا جماعة عن نافع بغير ذكر هذا المعنى الذي هو خلاف العرس ثم ساقه من طريق عمر بن محمد العمري عن نافع بلفظ "إذا دعيتم فأجيبوا".
ومن طريق موسي بن عقبة عن نافع بلفظ "أجيبوا الدعوة إذا دعيتم لها".
ومن طريق أيوب السختياني عن نافع بلفظ "ائتوا الدعوة إذا دعيتم".
ثم قال: فاحتمل أن تكون تلك الدعوة المرادة في هذه الآثار هي الدعوة المذكورة في الآثار الأول فتتفق هذه الآثار ولا تختلف فنظرنا هل رُوي شيء يدل على أنها تلك الدعوة كما ذكرنا؟
فوجدنا يونس قد حدثنا قال أنبأنا ابن وهب أن مالكاً أخبره عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها" فبين هذا الحديث أن الذي يجب إتيانه من الأطعمة التي يدعى إليها في أحاديث ابن عمر هى هذه الوليمة ... "اه.
تنبيه:
قال ابن عبد البر [110]: قد رواه معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر فقال فيه "عرساً كان أو غيره" ذكره عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرساً كان أو غيره" وذكر أبو داود قال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الرزاق بإسناده مثله وقال: "عرساً كان أو دعوة" قال أبو داود: وكذلك رواه الزبيدي عن نافع مثل حديث معمر عن أيوب ومعناه سواء ... "اه.
ففي هذه الرواية التي ذكرها ابن عبد البر وعزاها لأبي داود وكذا لعبد الرزاق يبطل التأويل السابق لقوله صلى الله عليه وسلم: "عرساً كان أو نحوه" فإن رواية أبي داود وعبد الرزاق تدل على العموم في العرس وغيره إلا أن هذه الرواية التي ذكرها ابن عبد البر وعزاها لأبي داود وعبد الرزاق لم أجدها عندهما بهذا اللفظ بل عندهما [111] بلفظ "عرساً كان أو نحوه" من نفس الطريق التي ذكرها ابن عبد البر فليتأمل ذلك لعله في نسخ أخرى غير هذه أو تكون تصحيفاً، إلا أن يقال لو صحت حملت على حديث البراء وغيره لأنه لم يرتب العصيان على من لم يجب في هذه الرواية والله أعلم.
الوجه الثاني:
حمل المطلق على المقيد وذلك أنه ورد في بعض روايات هذا الحديث إطلاق الوليمة وفي بعضها قال "إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجيب" كما عند مسلم وغيره.
قال النووي [112] عقب هذه الرواية: قد يحتج به من يخصص وجوب الإجابة بوليمة العرس ويتعلق الآخرون بالروايات المطلقة ولقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية التي بعد هذه "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو نحوه" ويحملون هذا على الغالب أو نحوه من التأويل.
وقال العراقي [113]: ويدل على عدم الوجوب في غير وليمة العرس التقييد في بعض الروايات بقوله "وليمة عرس" وقد تقدم ذكرها فيحمل المطلق على المقيد.
وقد تعقب الشوكاني [114] هذا الوجه فقال: لا يقال ينبغي حمل مطلق الوليمة على الوليمة المقيدة بالعرس كما وقع في رواية حديث ابن عمر المذكورة بلفظ "إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب" لأنا نقول ذلك غير ناتج للتقييد لما وقع في الرواية المتعقبة لهذه الرواية بلفظ "من دعي إلى عرس أو نحوه" وأيضاً قوله: "من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله" يدل على وجوب الإجابة إلى غير وليمة العرس. اه.
لكن تقدم أن رواية "من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله" هذه مقيد بالوليمة كما في الصحيحين.
أما رواية أبي داود المطلقة فإنها ضعيفة.
وأما رواية "إلى عرس أو نحوه" فتقدم الجواب عنها وأنها لا تدل على وجوب كل دعوة، والله أعلم.
وأما الدليل الثالث حديث البراء:
فقال ابن عبد البر [115]: قال البراء: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع فذكر منها إجابة الداعي وذكر منها أشياء منها ما هو فرض على الكفاية ومنها ما هو واجب وجوب سنة فكذلك إجابة الدعوة والله نسأل العصمة.
وأما الدليل الرابع حديث أبي هريرة:
هذا الحديث لفظ الصحيحين "حق" لكن عند مسلم في لفظ "خمس تجب" وهذا اللفظ ظاهره الوجوب إلا أن الحافظ حمله [116] على وجوب الكفاية فقال: وقد تبين أن معنى الحق هنا الوجوب خلافاً لقول ابن بطال: المراد حق الحرمة والصحبة والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية. اه.
ولعله أخذ هذا مما قرن معه من عيادة المريض واتباع الجنائز ورد السلام وتشميت العاطس مع ما في دلالة الاقتران من الكلام عند الأصوليين.
¥