تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال محمد عبده (ج3 ص49) في الكلام على قول الله عز وجل: ? {فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه}: قالوا: معناه ألبثه الله مائة عام ميتًا. وذلك أنّ الموت يكون في لحظة واحدة، قال الأستاذ الإمام: وفاتهم أنّ من الموت ما يمتد زمنًا طويلاً، وهو ما يكون من فقد الحس والحركة والإدراك من غير أن تفارق الروح البدن بالمرّة، وهو ما كان لأهل الكهف، وقد عبّر عنه تعالى بالضرب على الآذان. أقول: ولعل وجهه أن السمع آخر ما يفقد من إدراك من أخذه النوم أو الموت، وهذا الموت أو الضرب على الآذان، هو المراد بالشق الثاني من قوله تعالى: ? {الله يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها13} والبعث هو الإرسال. فإذا كان هذا النوع من الموت يكون بتوفي النفس أي: قبضها، فزواله إنما يكون بإرسالها وبعثها.

وأقول: قد ثبت في هذا الزمان أن من الناس من تحفظ حياته زمنًا طويلاً يكون فيه فاقد الحس والشعور ويعبّرون عن ذلك بالسبات، وهو النوم المستغرق الذي سماه الله وفاةً، وقد كتب إلى مجلة "المقتطف" سائل يقول: إنه قرأ في بعض التقاويم أن امرأةً نامت (5500) يوم، أي: بلياليها من غير أن تستيقظ ساعة ما في خلال هذه المدة. وسأل: هل هذا صحيح؟ فأجابه أصحاب المجلة بأنّهم شاهدوا شابًا نام نحو شهر من الزمان، ثم أصيب بدخل في عقله. وقرأوا عن أناس ناموا نومًا طويلاً أكثره أربعة أشهر ونصف، واستبعدوا أن ينام إنسان مدة (5500) أي أكثر من 15 سنة نومًا متواليًا، وقالوا: إنّهم لا يكادون يصدقون ذلك. نعم إن الأمر غير مألوف، ولكن القادر على حفظ الإنسان أربعة أشهر ونصف و (15) سنة، قادر على حفظه مائة سنة، وإن لم نهتد إلى سنته في ذلك، فلبْث الرجل الذي ضرب على سمعه هناك مثلاً مائة سنة غير محال في نظر العقل، ولا يشترط عندنا في التسليم بما تواتر به النص من آيات الله تعالى، وأخذها على ظاهرها، إلاّ أن تكون من الممكنات دون المستحيلات، وإنما ذكرنا ما وصل إليه علم بعض الناس من هذا السبات الطويل الذي لم يعهده أكثرهم. لأجل تقريب إمكان هذه الآية من أذهان الذين يعسر عليهم التمييز بين ما يستبعد لأنه غير مألوف وما هو محال لا يقبل الثبوت لذاته. اهـ.

أقول: وفي قصة الحمار نحو ذلك من التحريف، فكأنه موكل بتحريف ما لا تتسع له عقول أعداء الإسلام.

4 - ? {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءًا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيًا واعلم أنّ الله عزيز حكيم14?}.

قال محمد عبده كما في "المنار" الذي هو بالظلام أشبه (ج3 ص55): ملخص معنى الآية عند الجمهور: أن إبراهيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم طلب من ربه أن يطلعه على كيفية إحياء الموتى، فأمره تعالى بأن يأخذ أربعة من الطير فيقطعهن أجزاء يفرقها على عدة جبال هناك، ثم يدعوها إليه فتجيئه، وقالوا: إنه فعل ذلك. وخالفهم أبومسلم المفسر الشهير فقال: ليس في الكلام ما يدل على أنه فعل ذلك، وما كلّ أمر يقصد به الامتثال، فإن من الخبر ما يأتي بصيغة الأمر، لاسيما إذا أريد زيادة البيان كما إذا سألك سائل: كيف يصنع الحبر مثلاً؟ فتقول: خذ كذا وكذا وافعل كذا وكذا يكن حبرًا. تريد هذه كيفيته، ولا تعني تكليفه صنع الحبر بالفعل. قال: وفي القرآن كثير من الأمر الذي يراد به الخبر، والكلام ههنا مثل لإحياء الموتى. ومعناه: خذ أربعةً من الطير فضمها إليك وآنسها بك حتى تأنس وتصير بحيث تجيب دعوتك فإن الطيور من أشد الحيوانات استعدادًا لذلك، ثم اجعل كل واحد منها على جبل، ثم ادعها فإنّها تسرع إليك لا يمنعها تفرق أمكنتها وبعدها من ذلك.

كذلك أمْر ربك إذا أراد إحياء الموتى، يدعوهم بكلمة التكوين (كونوا أحياء) فيكونوا أحياء، كما كان شأنه في بدء الخلق إذ قال للسموات والأرض: ائتيا طوعًا أو كرهًا. قالتا: أتينا طائعين، هذا ما تجلى به تفسير أبي مسلم، وقد أورده الرازي مختصرًا. وقال:

والغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة، وأنكر (يعني أبا مسلم) القول بأن المراد منه فقطعهن واحتج عليه بوجوه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير