تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول: أن المشهور في اللغة في قوله: {فصرْهنّ} أملهن، وأما التقطيع والذبح فليس في الآية ما يدل عليه، فكان إدراجه في الآية إلحاقًا لزيادة بالآية لم يدل الدليل عليها وأنه لا يجوز.

والثاني: أنه لو كان المراد بصرّهن قطعهن لم يقل: ? {إليْك} فإن ذلك لا يتعدى بإلى، وإنما يتعدى بهذا الحرف إذا كان بمعنى الإمالة، فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: فخذ إليك أربعةً من الطير فصرهن؟ قلنا: التزام التقديم والتأخير من غير دليل ملجئ إلى التزامه خلاف الظاهر.

والثالث: أن الضمير في قوله: {ثمّ ادْعهنّ} عائد إليها لا إلى أجزائها، وإذا كانت الأجزاء متفرقةً متفاصلة، وكان الموضوع على كل جبل بعض تلك الأجزاء، يلزم أن يكون الضمير عائدًا إلى تلك الأجزاء لا إليها، وهو خلاف الظاهر، وأيضًا الضمير في قوله: {يأتينك سعيًا?} عائد إليها لا إلى أجزائها، وعلى قولكم إذا سعى بعض الأجزاء إلى بعض كان الضمير في: {يأتينك?} عائدًا إلى أجزائها لا إليها.

واحتج القائلون بالقول المشهور بوجوه:

الأول: أن كل المفسرين الذين كانوا قبل أبي مسلم أجمعوا على أنه حصل ذبح تلك الطيور وتقطيع أجزائها، فيكون إنكار ذلك إنكارًا للإجماع.

والثاني: أن ما ذكره غير مختص بإبراهيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يكون له فيه مزيّة على الغير.

والثالث: أن إبراهيم أراد أن يريه الله كيف يحيي الموتى، وظاهر الآية يدل على أنه أجيب إلى ذلك، وعلى قول أبي مسلم لا تحصل الإجابة في الحقيقة.

والرابع: أن قوله: {ثمّ اجْعل على كلّ جبل منهنّ جزءًا} يدل على أن تلك الطيور جعلت جزءًا جزءًا.

قال أبومسلم: في الجواب عن هذا الوجه: أنه أضاف الجزء إلى الأربعة فيجب أن يكون المراد بالجزء الواحد من تلك الأربعة. والجواب: أن ما ذكرته وإن كان محتملاً، إلا أن حمل الجزء على ما ذكرنا أظهر، والتقدير فاجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءًا أو بعضًا. اهـ كلام الرازي.

آية فهم الرازي وغيره فيها خلاف ما فهمه جميع المفسرين من قبله، ولم يقل أحد: أنّ فهْم فئة من الناس حجة على فهم الآخرين، على أن ما فهمه أبومسلم هو المتبادر من عبارة الآية الكريمة، وما قالوه مأخوذ من روايات حكمّوها في الآية ولآيات الله الحكم الأعلى، وعلى ما في تلك الرواية هي لا تدل.

وأما قوله: إن ما ذكره أبومسلم غير مختص بإبراهيم، فلا يكون فيه مزيّة. فهو مردود بأن هذا المثال لكيفية إحياء الله للموتى أو لكيفية التكوين فيه توضيح لها وتحديد لما يصل إليه علم البشر من أسرار الخليقة، ولا دليل على أن العلم بذلك كان عامًا في الناس، فيقال: إنه لا خصوصية فيه لإبراهيم. على أنه يرد مثل هذا الإيراد على حجة إبراهيم على الذي آتاه الله الملك، وحجته على عبدة الكواكب في سورة الأنعام، فإن مثل هذه الحجج التي أيد الله تعالى بها إبراهيم مما يحتج به الرازي وغيره، فهل ينفي ذلك أن تكون هدايةً من الله لإبراهيم وإخراجًا من ظلمات الشبه التي كانت محيطةً بأهل زمنه إلى نور الحق، وقد قال تعالى: {وتلك حجّتنا ءاتيناها إبراهيم15?} الآية.

وأما قوله: إن إجابة إبراهيم إلى ما سأل لا تحصل بقول أبي مسلم وإنما تحصل بقول الجمهور، فالأمر بعكسه، وذلك أن إتيان الطيور بعد تقطيعها وتفريق أجزائها في الجبال لا يقتضي رؤية كيفية الإحياء. إذ ليس فيها إلا رؤية الطيور كما كانت قبل التقطيع، لأن الإحياء حصل في الجبال البعيدة، وافرض أنك رأيت رجلاً قتل وقطّع إربًا إربًا ثم رأيته حيًا أفتقول حينئذ: إنك عرفت كيفية إحيائه؟ هذا ما يدل عليه قولهم. وأما قول أبي مسلم فهو الذي يدل على غاية ما يمكن أن يعرف البشر من سر التكوين والإحياء، وهو توضيح معنى قوله تعالى للشيء: ? {كنْ فيكون} ولولا أن الله تعالى بيّن لنا ذلك بما حكاه عن خليله لجاز أن يطمع في الوقوف على سر التكوين الطامعون، ولو فهم الرازي هذا لما قال: إنه لا خصوصية لإبراهيم على الغير. وهذا النوع من الجواب قريب من جواب موسى إذ طلب رؤية الله تعالى، ومن جواب السائلين عن الأهلة وليس مثلهما من كل وجه فإنه بيّن وأوضح ما يمكن علمه في المسألة نفسها ونهى عما زاد على ذلك، وجملة القول: أن تفسير أبي مسلم هو المتبادر الذي يدل عليه النظم وهو الذي يجلي على الحقيقة في المسألة فإن كيفية الإحياء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير