تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المقام الثاني: في الحديث عن عائشة: حتّى إذا كان ذات يوم وهو عندي، لكنّه دعا ودعا، ثمّ قال: ((يا عائشة أشعرت أنّ الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان)). (أي: ملكان -كما في رواية أخرى- في صورة رجلين) ... فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرّجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أيّ شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجفّ طلع نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان)) فأتاها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ناس من أصحابه، فجاء، قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: ((قد عافاني الله، فكرهت أن أثير على النّاس شرًّا فأمرت بها فدفنت)).

ومحصل هذا أن لبيد أراد إلحاق ضرر بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعمل عملاً في مشط ومشاطة، الخ. فهل من شأن ذلك أن يؤثر، قد يقال: لا ولكن إذا شاء الله تعالى خلق الأثر عقبه والأقرب أن يقال: نعم بإذن الله، والإذن هنا خاص. وبيانه أن الأفعال التى من شأنها أن تؤثر ضربان: الأول: ما أذن الله تعالى بتأثيره إذنًا مطلقًا ثم إذا شاء منعه، وذلك كالاتصال بالنار مأذون فيه بالإحراق إذنًا مطلقًا قلما أراد الله تعالى منعه، قال: {يانار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم}.

الضرب الثاني: ما هو ممنوع من التأثير منعًا مطلقًا، فإذا اقتضت الحكمة أن يمكّن من التأثير رفع المنع فيؤثر، وقوله تعالى في السحر: {وما هم بضارّين به من أحد إلاّ بإذن الله} يدل أنه من الضرب الثاني وأن المراد بالإذن، الإذن الخاص، والحكمة في مصلحة الناس تقتضى هذا، والواقع في شئونهم يشهد له، وإذا كان هذا حاله فلا غرابة في خفاء وجه التأثير علينا.

المقام الثالث: النظر في كلام الشيخ محمد عبده وفيه ثلاث قضايا: القضية الأولى: قال: (فعلى صحته هو آحاد والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد).

أقول: أما صحته فثابتة بإثبات أئمة الحديث لها فإن أراد الصحة فى نفس الأمر فهب أنا لا نقطع بها ولكنا نظنها ظنًا غالبًا، وعلى كلا الحالتين فواضعو تلك القاعدة لا ينكرون أنه يفيد الظن، ومن أنكر ذلك فهو مكابر، وإذا أفاد الظن فلا مفر من الظن وما يترتب على الظن، فلم يبق إلا أنه لا يفيد القطع، وهذا حق في كل دليل لا يفيد إلا الظن.

القضية الثانية: أنّه مناف للعصمة في التبليغ، قال: فإنه قد خالط عقله وإدراكه في زعمهم، فإنه إذا خولط في عقله كما زعموا جاز عليه أن يظن أنه بلغ شيئًا وهو لم يبلغه أو أنّ شيئًا ينْزل عليه وهو لم ينْزل عليه. أقول: أما المتحقق من معنى الحديث كما قدمنا في المقام الأول، فليس فيه ما يصح أن يعبر عنه بقولك: خولط في عقله. وإنما ذاك خاطر عابر ولو فرض أنه بلغ الظن فهو في أمر خاص من أمور الدنيا، لم يتعده إلى سائر أمور الدنيا فضلاً عن أمور الدين، ولا يلزم من حدوثه في ذاك الأمر جوازه في ما يتعلق بالتبليغ بل سبيله سبيل ظنه أن النخل لا يحتاج إلى التأبير، وظنه بعد أن صلى ركعتين أنه صلى أربعًا وغير ذلك من قضايا السهو في الصلاة، وراجع ص (18 - 19) وفي القرآن ذكر غضب موسى على أخيه هارون وأخذه برأسه لظنه أنه قصر، مع أنه لم يقصر، وفيه قول يعقوب لبنيه لما ذكروا له ما جرى لابنه الثاني: {بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا93} يتهمهم بتدبير مكيدة مع أنّهم كانوا حينئذ أبرياء صادقين. وقد يكون من هذا بعض كلمات موسى للخضر. وانظر قوله تعالى في يونس: {فظنّ أن لن نقدر عليه94}.

القضية الثالثة: الحديث مخالف للقرآن في نفيه السحر عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعده من افتراء المشركين عليه، مع أن الذي قصده المشركون ظاهر لأنّهم كانوا يقولون: إن الشيطان يلابسه عليه السلام، وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم، وضرب من ضروبه، وهو بعينه أثر السحر الذي ينسب إلى لبيد ... وقد جاء بنفي السحر عنه عليه السلام، حيث نسب القول بإثبات حصول السحر له إلى المشركين أعدائه، ووبّخهم على زعمهم هذا، فإذًا هو ليس بمسحور قطعًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير