[النوع الرابع] الرأي الذي أحدثت به البدع، و غُيِّرَتْ به السنن، وعمَّ به البلاء، وتربى عليه الصغير، وهرم فيه الكبير.
قال الإمام الدارمى فى ((سننه)) (187): أَخْبَرَنَا يَعْلَى ثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللهِ بن مسعود: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً، فَإِذَا غُيِّرَتْ، قَالُوا غُيِّرَتِ السُّنَّةُ، قَالُوا: وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟، قَالَ: إِذَا كَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ، وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُمْ، وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُمْ، وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُمْ، وَالْتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ.
وقال الإمام أحمد (4/ 126): حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْروٍ السُّلَمِيِّ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ لَهَا الأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا أَوْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا، قَالَ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلافاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ)).
وقال الإمام البخارى فى ((الاعتصام بالكتاب والسنة)) (7277): حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ ثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ يَقُولُ قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَ ((إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)).
[النوع الخامس] الرأى فى المسائل المسكوت عنها، والتى لم تنزل، ولم تقدَّر، والتى ورد النهى عنها فى قوله جلَّ ذكره ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ. قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ)) (101 - 102: سورة المائدة).
وقال الإمام البخارى فى ((الاعتصام بالكتاب والسنة)) (7289): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ ثَنَا سَعِيدٌ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ)).
قال علامة الأندلس أبو عمر بن عبد البر النمرى: ((وهو من القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان، والظنون، والاشتغال بحفظ المعضلات، والأغلوطات، ورد الفروع بعضها على بعض قياسا، دون ردها على أصولها والنظر في عللها واعتبارها، فاستعمل فيها الرأي قبل أن ينزل، وفرعت وشققت قبل أن تقع، وتكلم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن. قال أكثر أهل العلم: وفي الاشتغال بهذا والاستغراق فيه تعطيل السنن، والبعث على جهلها، وترك الوقوف على ما يلزم الوقوف عليه منها، ومن كتاب الله عز وجل ومعانيه)).
وذكر من طريق أبي داود: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ ثَنَا عِيسَى عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الأغُلُوطَاتِ، وفسره الأوزاعي: يعني صعاب المسائل.
وقال أبو عمر: واحتجوا أيضا بحديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا، وبحديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ. وقال الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة: وَدِدْتُ أَنَّ حَظِّي مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ أَنْ لا أَسْأَلَهُمْ عَنْ شَيءٍ، وَلا يَسْأَلُونِي يَتَكَاثَرُونَ بِالمَسَائِلِ، كَمَا يَتَكَاثَرُ أَهْلُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ.
وروى ابن وهب قال حدَّثَنِى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فاجتنبوه)). وقال سُفْيَانُ بن عيينة عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ: أُحَرِّجُ بِاللهِ عَلَى رَجُلٍ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ بَيَّنَ مَا هُوَ كَائِنٌ.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
****** هامش ******
... مقتبس من تحقيقى لكتاب الإمام الحجة ابن بطة العكبرى ((الشرح والإبانة لأصول السنة والديانة))
وكتبه أبو محمد الألفى السكندرى
الإسكندرية الثانى من رمضان سنة 1425 هـ.
¥