تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: والحديث لـ ((طَلْحَةَ بْنِ عَمْروٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ))، كما رواه الجماعة، وهو عنه أشهر وأشيع، وبه ألصق. وطَلْحَةَ بْنِ عَمْروٍ هو الحضرمى المكى، مجمع على ضعفه. قال أحمد والنسائي: متروك الحديث. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء ضعيف. وقال علي بن الجنيد: متروك. وقال البخاري وابن المديني: ليس بشيء. وقال عمرو بن على الفلاس: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه. وضعَّفه أبو زرعة والدارقطني. وقال أبو حاتم: ليس بقوى لين الحديث عندهم. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يحل كتب حديثه، ولا الرواية عنه إلا على وجه التعجب.

قال أبو بكر البيهقى: ((وقد روي هذا الحديث بأسانيد هذا أمثلها))، كأنه يعنى أمثلها فى الضعف.

قلت: وإنما يتابع طَلْحَةَ بْنَ عَمْروٍ المكى جماعةٌ هم نحوه فى الضعف، أو أشد ضعفاً منه، منهم: عثمان بن عبد الرحمن الجمحى، ومحمد بن عبد الملك الأنصارى، ويحيى بن أبى سليمان المدينى.

فقد أخرجه ابن عدى ((الكامل)) (5/ 161و6/ 159و7/ 230) عن ثلاثتهم مفرقين عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به، إلا أن يحيى بن أبى سليمان قال فى حديثه ((أن النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أين كنت أمس يا أَبَا هُرَيْرَةَ؟، قال: زرت ناساً من أهلي، فقال: ((يا أَبَا هُرَيْرَةَ؛ زُرْ غٍبَّاً تَزْدَدْ حُبَّاً)).

وأخرجه كذلك البيهقى ((شعب الإيمان)) (6/ 328)، والخطيب ((التاريخ)) (14/ 108) و ((موضح الأوهام)) (1/ 520) كلاهما من طريق يحيى بن أبى سليمان بمثله.

قلت: وثلاثتهم ضعفاء بينو الأمر فى الضعف، وأشدهم ضعفاً محمد بن عبد الملك الأنصارى، فإنه كذاب يضع الحديث، قاله أحمد بن حنبل.

وأخرجه أبو نعيم ((مسند أبى حنيفة)) (ص139): حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم ثنا أحمد بن محمد الدينوري ثنا العباس بن الفضل الأنصاري ثنا محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زُرْ غٍبَّاً تَزْدَدْ حُبَّاً)).

قلت: وهذا إسناد واهٍ بمرة. أحمد بن محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم أبو الحسن المقرئ العطار، ليس بثقة ولا مأمون. قال حمزة بن يوسف السهمى: حدَّث عمن لم يره، ومن مات قبل أن يولد. وقال: وسمعت الدارقطني وجماعة من المشايخ تكلموا في ابن مقسم، وكان أمره أبيَّن من هذا. وقال الخطيب: سمعت أبو القاسم الأزهري يقول: لم يكن أبو الحسن بن مقسم ثقة وقد رأيته، وقال مرة: كان كذاباً. وقال محمد بن أبى الفوارس: كان سيء الحال في الحديث، مذموما، ذاهباً لم يكن بشيء البتة.

[إيضاح وبيان] وقد أبان علة حديث طَلْحَةَ بْنِ عَمْروٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، جماعة من أثبات أصحاب عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، فرووه عَنْهُ وعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ المكى، فجعلوه من قول عبيد بن عميرٍ، وهو الأصح.

قال ابن حبان (620): أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا يحيى بن زكريا عن إبراهيم بن سويد النخعي ثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبى رباح قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا!، فقال: أقول يا أمه كما قال الأول: زُرْ غٍبَّاً تَزْدَدْ حُبَّاً.

قلت: وهذا أليق وأولى بالحديث من الموصولات والمرفوعات الآنفة الذكر، فهو بأمثال الأوائل والمتقدمين أشبه، ولهذا ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام فى ((أمثال العرب)).

وذكره الميدانى فى ((مجمع الأمثال)) (1/ 322): ((زُرْ غٍبَّاً تَزْدَدْ حُبَّاً. قال المفضل: أول من قال ذلك معاذ بن صرم الخزاعي، وكانت أمُّه من عكٍّ، وكان فارس خزاعة، وكان يكثر زيارة أخواله، فاستعار منهم فرساً، وأتى قومه، فقال له رجل ـ يقال له جحيش بن سودة، وكان له عدواً ـ: أتسابقني على أن من سبق صاحبه أخذ فرسه؟، فسابقه، فسبق معاذ، وأخذ فرس جحيش، وأراد أن يغيظه، فطعن أيطل الفرس بالسيف، فسقط، فقال جحيش: لا أم لك؛ قتلت فرسا خيراً منك ومن والديك!، فرفع معاذ السيف، فضرب مفرقه فقتله، ثم لحق بأخواله، وبلغ الحي ما صنع، فركب أخٌ لجحيش وابن عم له، فلحقاه، فشد على أحدهما، فطعنه فقتله، وشدَّ على الآخر فضربه بالسيف فقتله، وقال في ذلك:

ضَربتُ جُحيشاً ضربةً لا لئيمةٍ ولكن بصافٍ ذي طرائق مستكِ

قتلتُ جُحيشاً بعد قتلِ جوادِه وكنتُ قديماً في الحوادثِ ذا فَتْكِ

قصدتُ لعمروٍ بعد بدرٍ بضربةٍ فخرَّ صريعاً مثلَ عائرةِ النسكِ

لكي يعلمَ الأقوامُ أني صارمٌ خزاعةُ أجدادي وأُنمى إلى عكِّ

فقدْ ذقتَ يا جَحشَ بنَ سودةٍ ضربتي وجربتني إذ كنتَ مِنْ قبلُ في شَكِّ

ليرفعَ أقواماً حلولي فيهمُ ويُزري بقومٍ إنْ تركتُهُمْ تركي

تتوقُ غداةَ الروع نفسي إلى الوغى كتوق القطا تسمو إلى الوشل الركِّ

قال: فأقام في أخواله زمانا، ثم إنه خرج مع بني أخواله في جماعة من فتيانهم يتصيدون، فحمل معاذ على عير، فلحقه ابن خال له، فقال: خل عن العير، فقال: لا ولا نعمت عين، فقال له: أما والله لو كان فيك خير لما تركت قومك، فقال معاذ: زُرْ غٍبَّاً تَزْدَدْ حُبَّاً، فأرسلها مثلاً)) اهـ.

وذكره بنحوه الزمخشرى المعتزلى فى ((المستقصى فى أمثال العرب)).

وتأتى بقية طرق حديث أبى هريرة، وبقية أحاديث الباب.

وكتبه أبو محمد الألفى السكندرى

الإسكندرية مساء العاشر من رمضان المبارك سنة 1425 هـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير