[الأول] القول بأن رواته من رجال البخارى منتقض، بأن البخارى لم يخرِّج شيئاً من رواية معاوية بن إسحاق عن سعيد المقبرى، ولا من رواية إسرائيل عنه!!. وليس لمعاوية بن إسحاق عنده، إلا ما أخرجه فى ((الجهاد والسير))، قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَتِ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: ((جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ)).
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهَذَا وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَأَلَهُ نِسَاؤُهُ عَنِ الْجِهَادِ؟، فَقَالَ: ((نِعْمَ الْجِهَادُ الْحَجُّ)).
قلت: فهذا فى غاية البيان؛ أن البخارى إنما اعتمده فى المتابعات، وفى روايته عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، ومن رواية الثورى عنه.
[الثانى] لعلَّ البخارى إنما اعتمد رواية مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ بن طلحة بن عبيد الله التيمى عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، لإنها عمَّته، وهو من أعرف الناس بها، وأما روايته عن سعيد المقبرى، فليست فى شئٍ من ((الكتب الستة)) البتة!!.
وسعيد المقبرى ثقة مجمع على ثقته وجلالته، ولكن اعتمده البخارى ومسلم من رواية الكبار عنه: مالك، والليث، وابن أبى ذئبٍ، وعبيد الله بن عمر، وإسماعيل بن أمية، وأيوب بن موسى الأمويان، ونحوهم من الكبار. وأما رواية مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ عنه فلا!
[الثالث] أن ذكر الديك منكر، فقد خولف كلا من عبيد الله بن موسى باذام، ومحمد بن العباس الأخرم عليه.
فقد أخرجه أبو يعلى (11/ 496/6619): حدثنا عمرو الناقد ثنا إسحاق بن منصور ثنا إسرائيل عن معاوية بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أذن لي أن أحدِّث عن مَلَكٍ، قد مرقت رجلاه الأرض السابعة، والعرش على منكبه، وهو يقول: سبحانك أين كنت، وأين تكون)).
قلت: وعمرو بن محمد الناقد أوثق وأحفظ وأضبط من محمد بن العباس الأخرم، وشتان بين روايته ((أحدِّث عن مَلَكٍ))، ورواية الأخرم وباذام ((أحدِّث عن ديك))!!، وليس هذا من تصحيف الواهم بسبيلٍ، سيما مع كثرة الموضوعات عن الديك الذى يحمل العرش، وشيوعها وشهرتها، وتصحيح البعض إيَاها. ولا يشك عاقل أن هناك فرقاً واضحاً وكبيراً بين أن يحمل عرش الرحمن العظيم ملكٌ عظيمٌ، أو أن يكون حاملُه ديكاً ذا زغبٍ أخضر، وريشٍ أبيض، كما سيأتى بيانه؟؟!.
وإذ قد أتينا على المراد من هذا التعقب، فلنورد هذا الفصل بتمامه من ((الموضوعات)) للحافظ أبى الفرج بن الجوزى.
قال الحافظ (ج3/ ص8:6): باب ما ذكر أن في السماء ديكاً
فيه عن جابر، وابن عباس، والعرس بن عميرة.
فأما حديث جابر فله طريقان:
[الطريق الأول] أنبأنا محمد بن عبد الملك أنبأنا إسماعيل بن مسعدة أنبأنا حمزة بن يوسف أنبأنا ابن عدى حدثنا محمد بن الحسن البصري حدثنا على بن بحر أنبأنا على بن أبى على عن محمد بن المنكدر عن جابر أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إن لله ديكاً، عنقه مطوية تحت العرش، ورجلاه في التخوم، فإذا كانت هدأة من الليل، صاح: سبوح قدوس، فصاحت الديكة)).
[الطريق الثانى] أنبأنا عبد الوهاب أنبأنا محمد بن المظفر أنبأنا العتيقي حدثنا يوسف بن أحمد حدثنا العقيلى حدثنا مبشر بن موسى حدثنا الحميدى حدثنا على ابن أبى على اللهبى عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إن لله عزوجل ديكا، براثنه في الارض السابعة، وعنقه منطوية بالعرش، فإذا كان هوى من الليل، قال: سبوح قدوس، قال: فعند ذلك تصيح الديكة)).
¥