وقَالَ أَبو عِيسَى: ((هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً)).
قلت: ولا علة لهذا الحديث إلا كثير بن أبى كثير ووهمه، أو قتادة وتدليسه!!.
وقد ضعَّف الشيخ الألبانى هذا الحديث فى ((ضعيف الترمذى)) (3/ 481)، و ((ضعيف النسائى)) (6/ 147)، فما باله يصحِّح حديثه عن الحيَّة التى تطوِّق عرشَ الرحمن؟!.
(الثانية) قتادة ثقة جليل حجَّة لكنه مشهور بالتدليس عن المشاهير، فكيف بالمغمورين؟!. وفى ((تهذيب التهذيب)) (8/ 318) عن أبى داود قال: حدَّث قتادة عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم!.
(الثالثة) معاذ بن هشام الدستوائى صدوق مكثر عن أبيه، وله أحاديث صالحة، لكنه يغلط فى الشئ بعد الشئ، قاله أبو أحمد بن عدى. وفى حديثه عن أبيه فى غير ((الصحيحين)) دغل كثير، وأفراد وغرائب.
وواحدة من العلل الثلاثة كافية فى رد الحديث، فكيف وقد اجتمعت!.
أفيليق بأجلِّ المخلوقات وأعظمِها وأبهاها وأروعها، وهو عرش الرحمن العظيم، الذى تحمله أكرمُ الملائكة وأشدُّها وأقواها، وتطوف به وتحفه من حوله، أفيليق به أن تطوِّقه أفعى لها فحيح ولعاب، وأن تُخلق من لعابها وعرقها تلك المجرة العظيمة الصنع، المحكمة البنيان. سبحانك ربنا، هذا والله البهتان!.
****** ****** ******
[الحديث الثانى] حديث معاذ بن جبل، وله ثلاث طرق:
[الطريق الأولى] قال أبو الشيخ ((العظمة)) (4/ 1298): حدثنا محمد بن أبي زرعة ثنا هشام بن عمار ثنا عبد الله بن يزيد ثنا شعيب بن أبي حمزة عن عبد الأعلى بن أبي عمرة عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المجرة التي في السماء عرق الحية التي تحت العرش)).
وأخرجه كذلك الطبرانى ((الأوسط)) (6760) و ((الكبير)) (20/ 67/123) قال: حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي ثنا هشام بن عمَّار ثنا عبد الله بن يزيد البكري ثنا شعيب بن أبي حمزة بإسناده مثله.
قال الحافظ الهيثمى ((مجمع الزوائد)) (8/ 135): ((وفيه عبد الأعلى بن أبي عمرة ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات)).
قلت: كيف هذا، وقد قال ابن أبى حاتم ((الجرح والتعديل)) (5/ 201/940): ((عبد الله بن يزيد البكري. روى عن: عكرمة بن عمار، وشعيب بن أبى حمزة، وسليمان بن راشد البصري. روى عنه: هشام بن عمار. سألت أبى عنه، فقال: ضعيف الحديث ذاهب الحديث)). بل هو إسناد واهٍ بمرة، ومتن سقيم تالف.
[الطريق الثانية] قال أبو الشيخ ((العظمة)) (4/ 1302): حدثنا ابن رستة حدثنا أبو أيوب هشام بن يوسف عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن الوليد بن أبي الوليد عن عبد الأعلى بن حكيم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، قال: ((إنك ستأتي أهل الكتاب، فإن سألوك عن المجرة، فأخبرهم أنها من عرق الأفعى التي تحت العرش)).
وقال العقيلى ((الضعفاء الكبير)) (3/ 60): حدثنا حجاج بن عمران ثنا سليمان بن داود الشاذكونى ثنا هشام بن يوسف ثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عمرو بن أبى عمرو عن الوليد بن أبي الوليد عن عبد الأعلى بن حكيم عن معاذ بن جبل قال: لما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فذكره مثله.
وأخرجه ابن الجوزى ((الموضوعات)) (1/ 142) من طريق العقيلى.
وقال أبو جعفر العقيلى: ((هذا الحديث غير محفوظ، وعبد الأعلى مجهول بالنقل)).
قلت: بل هو حديث موضوع، والإسناد مظلم واهٍ من كلا طريقيه. أبو بكر بن عبد الله بن أبى سبرة كذاب يضع الحديث، قاله أحمد بن حنبل. وسليمان الشاذكونى ليس بثقة ولا مامون، أجمعوا على تركه.
[الطريق الثالثة] أخرجها الخطيب ((تاريخ بغداد)) (9/ 44)، ومن طريقه ابن الجوزى ((الموضوعات)) (1/ 142) من طريق عبد الله بن على المدينى قال: قلت لأبي: إن سليمان بن داود الشاذكونى يحدِّث عن هشام بن يوسف أخبرني أبو بكر بن أبي مريم عن الوليد بن أبي الوليد عن رجل قد سماه فذهب عني عن معاذ بن جبل قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعثنى إلى اليمن، قال: ((إنهم سائلوك عن المجرة؟، فإذا سألوك، فقل: إنها من عرق الأفعى التي تحت العرش)).
قال عبد الله بن على المدينى: ((فأنكره أبى أشد الإنكار، وقال: لم يسمع هشام بن يوسف من أبي بكر بن أبي مريم شيئاً، وأبو بكر شامي، وهشام صنعاني، وإنما هو أبو بكر بن أبي سبرة الصنعانى)).
قلت: هو كما قال، وإنما الحديث لابن أبى سبرة، وليس لأبى بكر بن أبى مريم هاهنا مدخل، كما هو بيِّن فى الطريق السابقة.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق.
وكتبه أبو محمد الألفى السكندرى
الإسكندرية صباح سادس عشر من رمضان المبارك سنة 1425 هـ.
¥