وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر)).
ولو كان لحمها داء لما جاز التقرب به لله فالذي يجب القطع به أن هذا الأثر باطل وليس لتصحيحه وجه معتبر وقد أجاد ابن الجوزي في قوله: (فكل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره).
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[23 - 12 - 04, 09:41 ص]ـ
الحمد لله تعالى. والصلاة الزاكية على محمد تتوالى. وبعد
وأما الحديث الثانى ((عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ وَسُمْنَانِهَا، وَإِيَّاكُمْ وَلُحُومَهَا، فَإِنَّ أَلْبَانَهَا وسُمْنَانَهَا دَوَاءٌ وَشِفَاءُ، وَلُحُومَهَا دَاءٌ)) فمروىٌّ عن: عَبْدِ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، ومُلَيْكَةَ بِنْتِ عَمْرَوٍ السَّعْدِيَّةِ، وصُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ.
حديث عَبْدِ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍقال الحاكم (4/ 448): حدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدِ بْنِ بَالُويْهِ ثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَّنَى العنبري ثنا سَيْفُ بْنُ مِسْكِينٍ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ وَسُمْنَانِهَا، وَإِيَّاكُمْ وَلُحُومَهَا، فَإِنَّ أَلْبَانَهَا وسُمْنَانَهَا دَوَاءٌ وَشِفَاءُ، وَلُحُومَهَا دَاءٌ)).
وقال أبو عبد الله الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)).
قلت: بل منكر الإسناد والمتن، وله آفات:
[الأولى] سَيْفُ بْنُ مِسْكِينٍ السُّلَمِيُّ الْبَصْرِيُّ. قال ابن حبان ((المجروحين)) (1/ 347): يأتي بالمقلوبات والأشياء الموضوعات، لا يحل الاحتجاج به لمخالفته الأثبات فى الروايات على قلتها. وقال الدارقطني: ليس بالقوي.
[الثانية] المخالفة على إسناده ومتنه. فقد رواه الأثبات من أصحاب المسعودى عن قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ، فَإِنَّهَا ترُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَرِ))، وفيه الاقتصار على ذكر الألبان.
[الثالثة] النكارة فى متنه، وهى أبيَّنُ شئٍ وأوضحه فى قوله ((وَإِيَّاكُمْ وَلُحُومَهَا، فَإِنَّ لُحُومَهَا دَاءٌ))، إذ الوصف بكونها داء، فى مقابل وصف الألبان والسمنان بأنها شفاء، فيه تنفير شديد عن جميع وجوه الانتفاع بلحوم البقر، وليس مقتصراً على النهى عن أكلها فقط. والعجب فى ذا الوصف؛ أنه مناف للحكمة من خلقها لمن عقل قول الله عزَّ وجلَّ ((وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ))، وقوله عزَّ وجلَّ ((وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ))، وقوله تعالى ((وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ))، وقوله تعالى ((اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)). وما أبين وأفصح وأوضح هذه الدلالة على حكمة خلق الأنعام لمن فهم عن الله عزَّ وجلَّ مراده ((وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)).
فإن قيل: فما تقولون فيما قاله الحافظ أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمى صاحب ((المنهاج)) فى تأويل قوله ((وَإِيَّاكُمْ وَلُحُومَهَا، فَإِنَّ لُحُومَهَا دَاءٌ)): ((إنما قال ذلك، لأن الأغلب علي لحومها البرد واليبس، وبلاد الحجاز قشيفة يابسة، فلم يأمن إذا انضم إلى ذلك الهواء أكل لحم البقر أن يزيدهم يبساً، فيتضرروا بها، وأما لبنها فرطب، وسمنها بارد، ففي كل منها الشفاء)) اهـ.
قلنا: فلو صدق هذا فى أهل الحجاز، فأين منه سائر أقطار الإسلام، أليس لهم نصيب من هذا النهى، أم الخطاب مقصور على أهل الحجاز دون غيرهم من بلدان المسلمين مع اختلاف أهواءهم وتباين طبائعهم!، وقد صدق القائل:
وَلَوِ اِستَقَمْتَ عَلَى سَوَاءِ سَبِيلِنَا ... لَمْ تَمْشِ فِي تِيهِ الفَلا حَيْرَانَا
وَلَدُرْتَ بِالدَّارِ الَّتي دِرْنَا بِها ... وَلَثَمْتَ فِيهَا الْحُورَ وَالوِلْدَانَاولله درُّ الآخر:
مَاتَ الرَّجَالُ عَلَى بِسَاطِ زُعُومِهِمْ ... واللهُ بِالتَّحْقِيقِ قَدْ أَحْيَّانَابل التحقيق الذى لا محيص عنه، أن لحومها كألبانها وسمنانها كلَّها شفاءٌ ودواءٌ، كما قال تعالى ((وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)).
ويتبع بقية الأحاديث إن شاء الله تعالى.
¥