سادساً: ما ذكره المجيزون في احتجاجهم بحديث (أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة " وأخذهم القول بجواز إظهار ما فوق السرة ودون الركبة بدلالة الاقتران والقياس، فيقال: معلوم أن دلالة الاقتران ضعيفة إلا بقرائن تؤيدها، ومن العجيب أن المجيزين يأخذون بدلالة الاقتران في هذا الحديث رغم معارضته لنصوص أخرى كما تقدم في أدلة المانعين، ولا يأخذون بها في الآية الكريمة ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن) الآية.
أما قياسهم فهو قياس مع الفارق " وليس الذكر كالأنثى " قدراً وشرعاً، فلا يصح هذا القياس،وأيضاً فإن مقدار عورة الرجل مختلف فيه بين أهل العلم، فكيف يصح القياس على أصل مختلف فيه.
وللفائدة: ينظر صحيح البخاري/ باب ما يذكر في الفخذ (الفتح 1/ 530)، وراجع سنن البيهقي (2/ 321،329). فإذا ذكر النهي في هذا الحديث عن النظر إلى العورة في سياق واحد لا يدل على التساوي في مقدار العورة بين الجنسين فكل بحسبه كما دل على ذلك النصوص الشرعية وعمل السلف الصالح.
سابعاً: احتجاجهم بإجماع العلماء على أن المرأة تغسل المرأة كما يغسل الرجل الرجل. فهذا لا حجة فيه لأن الغسل ليس فيه إباحة إطلاق النظر فضلاً عن أن يكون فيه جواز تعرية المرأة، فيصح أن يكون الغسل من فوق الثوب بل هذا هو المشروع، وهذا إذا قيل بالتساوي بين حالتي الحياة والموت والآية (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... ) تخاطب المرأة بالنهي عن إبداء الزينة الخفية بالاختيار إلا لمن ذكر فيها ومن في حكمهم بالقدر المعروف شرعاً وعرفاً، ولو قيل بجواز كشف ما فوق السرة لغير الزوج في حالة ضرورة، وما ظهر منها في حال الضرورة أو عدم التكليف فليس من هذا الباب والله أعلم.
ثامناً: ما ذكره المجيزون من ضعف دلالة الاقتران في الآية مرجوح، فصحيح أن دلالة الاقتران قد تكون ضعيفة ولا تدل على التساوي في الحكم إلا بقرينة وهذه القرينة موجودة لدى المانعين وهي أن جمهور السلف ـ وأخذ بها الإمام أحمد رحمه الله كما في رواية عنه ـ قالوا: إن المقصود من قوله تعالى (أو نسائهن) المسلمات أو ما ملكت أيمانهن.
وأما غيرهن فلا يحل للمرأة أن تبدي شيئاً من زينتها التي أبيح لها واعتادت إظهارها أمام النساء، فالإضافة هنا للاختصاص،وهذه القرينة وهي التفريق بين المسلمة والكافرة تقوي قول من أخذ بدلالة الاقتران في الآية، وعدم خروج النساء منها واشتراكهن مع غيرهن ممن ذكر في الآية في تحديد ما يظهر لهم.
القول الراجح:
وبعد استعراض أدلة الفريقين يتبين أن القول الراجح في هذه المسألة هو قول المانعين من إظهار ما زاد على ما يظهر عادة وعرفاً وعلى الاختلاف بين الرجل والمرأة فيما هو من العورة يدل على ذلك عمل السلف الصالح من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قد أبدى ساقيه أو فخذيه أمام بعض أصحابه كما في حديث عائشة رضي الله عنها، وأبدى ساقيه كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وثبت أن أصحابه رضي الله عنهم رأوا بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم كما رأوا جنبه صلى الله عليه وسلم وقد أثر فيه الحصير،وكلها في الصحيح، ورأوا شعر بطنه وقد علاه التراب كما في قصة حفر الخندق، كما ثبت حديث اغتسال سهل بن حنيف ورؤية عامر بن ربيعة له وقد كشف عن جزء كبير من جسده كما في الموطأ.
أما المرأة مع محارمها والنساء فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة في رؤية شئ من بدنها ـ الرأس والشعر والآذان ونحوها ـ فتوافق تفسير ابن عباس رضي الله عنه وقتادة رحمه الله للآية مع عمل الرعيل الأول رجالاً ونساءً فقد ثبت في الصحيح قصة زواج عائشة رضي الله عنها وتمشيط النساء لها وتزيينها للنبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك ثبت في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه في قصة زواجه من الثيب وجوابه للنبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله وأنه أراد أن تقوم على أخواته وتمشطهن فلا بد حال التمشيط من رؤية الشعر والأذان والرقبة، ولا يجادل في هذا أحد.
كما ثبت في صحيح البخاري أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما دخل على أخته حفصة رضي الله عنها ونسواتها تنطف، والنسوات: الضفائر، وتنطف: تقطر ماء.
¥