وقال قتادة: معنى (نحلة) فريضة واجبة.
ابن جريج وابن زيد: فريضة مسماة.
قال أبو عبيد: ولا تكون النحلة إلا مسماة معلومة.
وقال الزجاج: (نحلة) تدينا.
والنحلة الديانة والملة.
يقال: هذا نحلته أي دينه.
وهذا يحسن (4) مع كون الخطاب للاولياء الذين كانوا يأخذونه في الجاهلية، حتى قال بعض النساء في زوجها: * لا يأخذ الحلوان من بناتنا * تقول: لا يفعل ما يفعله غيره.
فانتزعه الله منهم وأمر به للنساء.
و (نحلة) منصوبة على أنها حال من الازواج بإضمار فعل من لفظها تقديره أنحلوهن نحلة.
وقيل: هي نصب على التفسير.
وقيل: هي مصدر على غير الصدر في موضع الحال.
الرابعة - قوله تعالى: (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا) مخاطبة للازواج، ويدل بعمومه على أن هبة المرأة صداقها لزوجها بكرا كانت أو ثيبا جائزة، وبه قال جمهور الفقهاء.
ومنع مالك من هبة البكر الصداق لزوجها وجعل ذلك للولي مع أن الملك لها.
زعم الفراء أنه مخاطبة للاولياء، لانهم كانوا يأخذون الصداق ولا يعطون المرأة منه شيئا، فلم يبح لهم منه إلا ما طابت به نفس المرأة.
والقول الاول أصح، لانه لم يتقدم (1) للاولياء ذكر، والضمير في (منه) عائد على الصداق.
وكذلك قال عكرمة وغيره.
وسبب الاية فيما ذكر أن قوما تحرجوا أن يرجع إليهم شئ مما دفعوه إلى الزوجات فنزلت (فإن طبن لكم).
الخامسة - واتفق العلماء على أن المرأة المالكة لامر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها، ولا رجوع لها فيه.
إلا أن شريحا رأى الرجوع لها فيه، واحتج بقوله: (فإن طبن لكم عنه شئ منه نفسا) وإذا كانت طالبة له لم تطب به نفسا.
قال ابن العربي: وهذا باطل، لانها قد طابت وقد أكل فلا كلام لها، إذ ليس المراد صورة الاكل، وإنما هو كناية عن الاحلال والاستحلال، وهذا بين.
قال الرازي في تفسيره: (5/ 53)
المسألة الرابعة: في تفسير النحلة وجوه: الأول: قال ابن عباس وقتادة وابن جريج وابن زيد: فريضة، وإنما فسروا النحلة بالفريضة، لأن النحلة في اللغة معناها الديانة والملة والشرعة والمذهب، يقال: فلان ينتحل كذا إذا كان يتدين به، ونحلته كذا أي دينه ومذهبه، فقوله: {آتَوْا النساء صدقاتهن نِحْلَةً} أي آتوهن مهورهن، فانها نحلة أي شريعة ودين ومذهب وما هو دين ومذهب فهو فريضة.
الثاني: قال الكلبي: نحلة أي عطية وهبة، يقال: نحلت فلانا شيئاً أنحله نحلة ونحلا، قال القفال: وأصله إضافة الشيء إلى غير من هوله، يقال: هذا شعر منحول، أي مضاف إلى غير قائله، وانتحلت كذا إذا ادعيته وأضفته إلى نفسك، وعلى هذا القول فالمهر عطية ممن؟ فيه احتمالان: أحدهما: أنه عطية من الزوج، وذلك لأن الزوج لا يملك بدله شيئاً لأن البضع في ملك المرأة بعد النكاح كهو قبله، فالزوج أعطاها المهر ولم يأخذ منها عوضا يملكه، فكان في معنى النحلة التي ليس بازائها بدل، وإنما الذي يستحقه الزوج منها بعقد النكاح هو الاستباحة لا الملك، وقال آخرون إن الله تعالى جعل منافع النكاح من قضاء الشهوة والتوالد مشتركا بين الزوجين، ثم أمر الزوج بأن يؤتي الزوجة المهر فكان ذلك عطية من الله ابتداء.
القول الثالث: في تفسير النحلة قال أبو عبيدة: معنى قوله {نِحْلَةً} أي عن طيب نفس، وذلك لأن النحلة في اللغة العطية من غير أخذ عوض، كما ينحل الرجل لولده شيئاً من ماله، وما أعطى من غير طلب عوض لا يكون إلا عن طيب النفس، فأمر الله باعطاء مهور النساء من غير مطالبة منهن ولا مخاصمة، لأن ما يؤخذ بالمحاكمة لا يقال له نحلة.
قال الشيخ السعدي في تفسيره (163)
لما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهن حقوقهن، خصوصا الصداق الذي يكون شيئا كثيرًا، ودفعة واحدة، يشق دفعه للزوجة، أمرهم وحثهم على إيتاء النساء {صَدُقَاتِهِنَّ} أي: مهورهن {نِحْلَةً} أي: عن طيب نفس، وحال طمأنينة، فلا تمطلوهن أو تبخسوا منه شيئا. وفيه: أن المهر يدفع إلى المرأة إذا كانت مكلفة، وأنها تملكه بالعقد، لأنه أضافه إليها، والإضافة تقتضي التمليك.
{فَإِنْ طِبْنَ لَكُم عَنْ شَيْءٍ مِّنْهُ} أي: من الصداق {نَفْسًا} بأن سمحن لكم عن رضا واختيار بإسقاط شيء منه، أو تأخيره أو المعاوضة عنه. {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} أي: لا حرج عليكم في ذلك ولا تبعة.
¥