تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحديث دليل على أن العرب سواء في الكفاءة بعضهم لبعض وأن الموالي ليسوا أكفاء لهم

وقد اختلف العلماء في المعتبر من الكفاءة اختلافاً كثيراً والذي يقوى هو ما ذهب إليه زيد بن علي ومالك ويروى عن [اث] عمر [/ اث] و [اث] ابن مسعود [/ اث] و ابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وهو أحد قولي الناصر أن المعتبر الدين لقوله تعالى: {أن أكرمكم عند الله أتقاكم} ولحديث: " الناس كلهم ولد آدم " وتمامه: " وآدم من تراب " أخرجه ابن سعد من حديث أبي هريرة وليس فيه لفظ كلهم " والناس كأسنان المشط لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى " أخرجه ابن لال بلفظ قريب من لفظ حديث سهل بن سعد

وأشار البخاري إلى نصرة هذا القول حيث قال: باب الأكفاء في الدين وقوله تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشراً}. فاستنبط من الآية الكريمة المساواة بين بني آدم ثم أردفه بإنكاح أبي حذيفة من سالم بابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وسالم مولى لامرأة من الأنصار وقد تقدم حديث: " فعليك بذات الدين " وقد خطب النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يوم فتح مكة فقال: " الحمد لله الذي أذهب عنكم عُبِّيَّةَ بضم المهملة وكسرها الجاهلية وتكبرها يا أيها الناس إنما الناس رجلان: مؤمن تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله ثم قرأ الآية " وقال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: " من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله "

فجعل صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم الالتفات إلى الأنساب من عبية الجاهلية وتكبرها فكيف يعتبرها المؤمن ويبني عليها حكماً شرعياً؟

وفي الحديث: " أربع من أمور الجاهلية لا يتركها الناس. ثم ذكر منها الفخر بالأنساب " أخرجه ابن جرير من حديث ابن عباس

وفي الأحاديث شيء كثير في ذم الالتفات إلى الترفع بها. وقد أمر صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بني بياضة بإنكاح أبي هند الحجام وقال: " إنما هو امرؤ من المسلمين " فنبه على الوجه المقتضي لمساواتهم وهو الاتفاق في وصف الإسلام

وللناس في هذه المسألة عجائب لا تدور على دليل غير الكبرياء والترفع ولا إله إلا الله كم حرمت المؤمنات النكاح لكبرياء الأولياء واستعظامهم أنفسهم. اللهم إنا نبرأ إليك من شرط وَلَّدَهُ الهوى ورباه الكبرياء

ولقد منعت الفاطميات في جهة اليمن ما أحل الله لهن من النكاح لقول بعض أهل مذهب الهادوية إنه يحرم نكاح الفاطمية إلا من فاطمي من غير دليل ذكروه وليس مذهباً لإمام المذهب الهادي عليه السلام بل زوج بناته من الطبريين

وإنما نشأ هذا القول من بعده في أيام الإمام أحمد بن سليمان وتبعهم بيت رياستها فقالوا بلسان الحال تحرم شرائفهم على الفاطميين إلا من مثلهم وكل ذلك من غير علم ولا هدى ولا كتاب منير بل ثبت خلاف ما قالوه عن سيد البشر كما دل له:

وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: " أَنَّ النّبيَ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قالَ لَها: انْكِحِي أُسَامَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي اللَّهُ عَنْهَا: " أَنَّ النّبيَ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قالَ لَها: انْكِحِي أُسَامَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

وفاطمة قرشية فهرية أخت الضحاك بن قيس وهي من المهاجرات الأول كانت ذات جمال وفضل وكمال جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن طلقها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة بعد انقضاء عدّتها منه فأخبرته أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أمّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد الحديث " فأمرها بنكاح أُسامة مولاه ابن مولاه وهي قرشية وقدّمه على أكفائها ممن ذكر ولا أعلم أنه طلب من أحد أوليائها إسقاط حقه

وكأن المصنف رحمه الله أورد هذا الحديث بعد بيان ضعف الحديث الأول للإشارة إلى أنه لا عبرة في الكفاءة بغير الدين كما أورد لذلك قوله:

وَعَنْ أَبي هُرَيْرة رضيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: " يا بني بَيَاضةَ انْكِحُوا أَبا هِنْدٍ وأنكِحُوا إليْهِ " وَكانَ حَجّاماً رَوَاهُ أَبو داوُدَ والحاكِمُ

سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين:

أرجو توضيح الكفاءة، فإن الكفء عند الناس يختلف في أفهامهم، حيث أنه قد يمنع الرجل رجلاً لأنه ليس من بلده، أو أنه ليس ذا مكانة، أو أقل مالاً، نرجو توضيح ذلك وفقك الله.

واب: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين الكفء بياناً واضحاً فقال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) وامرأة ثابت بن قيس بن الشماس رضي الله عنه أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين. فدل هذا على أن المعتبر كله هو الخلق والدين. أما ما اشتهر عند الناس الآن من كونه لا يزوج أحداً من غير قبيلته، أو لا يزوج أحداً إلا من أبناء أخيه الأقربين، أو يقول مثلاً: أنا قبيلي وأنت غير قبيلي فلا أزوجك! أو يقول غير القبيلي للقبيلي: لا أزوجك .. فهذا كله غلط ولا أصل له، بل يزوج القبيلي من ليس بقبيلي، ويزوج غير القبيلي من كان قبيلياً، وأكرم الخلق عند الله أتقاهم، وهذه كلها من الرواسب التي لا ينبغي للإنسان أن يعتبرها أبداً، والعبرة بالخلق والدين، ألم تعلموا أن كثيراً من الأحاديث التي نقلت إلينا إنما نقلها من ليسوا من العرب، وأثروا بها الدين الإسلامي، وما أكثر العلماء الذين ليسوا من العرب، فلهذا أرجو ألا يلتفت الناس إلا إلى شيئين فقط وهما: الخلق والدين. اللقاء الشهري

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير