تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و اللام في قوله: " للحديث " للتعليل. و المعنى منها ظاهر. و الحديث: الكلام الذي يكون بين المتجالسين. كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: " سيكون فى آخر الزمان قوم يجلسون فى المساجد حلقا حلقا إمامهم الدنيا فلا تجالسوهم فإنه ليس لله فيهم حاجة ". (الصحيحة رقم 1163)

- و قيل: المراد بالنهي التحلق مطلقا سواء كان للمذاكرة أو للمحادثة أو لغيرهما؛ لأنه يقطع الصفوف و يخل بانتظامها.

قال العراقي: حمله أصحابنا و الجمهور على بابه لأنه ربما قطع الصفوف مع كونهم مأمورين يوم الجمعة بالتبكير و التراص في الصفوف الأول فالأول.

و قال ابن العربي في " عارضة الأحوذي " (2/ 119): و إنما نهى عن التحلق يوم الجمعة لأنهم ينبغي لهم أن يكونوا صفوفا، يستقبلون الإمام في الخطبة و يعتدلون خلفه في الصلاة.اهـ

و قال التوربشتي – كما في " مرقاة المفاتيح " (3/ 222) -: النهي يحتمل معنيين؛ أحدهما أن تلك الهيئة تخالف اجتماع المصلين. و الثاني أن الإجتماع للجمعة خطب جليل عن الأمر الذي ندبوا إليه. اهـ

قلت: و لا شك أن المعنى الأول هو المراد. لأن الحديث صريح في النهي عن " التحلق "، و رسول الله صلى الله عليه و سلم هو أفصح مَن نطق. و " التحلق " عند العرب هو الجلوس جماعات مستديرة. قال في " تاج العروس " (1/ 6264): تَحَلَّقوا: إِذا جَلَسُوا حَلْقَةً حَلْقَةً، منه الحَدِيثُ: " نهى عن التحلّق قَبْلَ الصَّلاة ". و في " لسان العرب " (10/ 58): الحِلَقُ - بكسر الحاء و فتح اللام - جمع الحَلْقة مثل قَصْعة و قِصَعٍ، و هي الجماعة من الناس مستديرون كحلْقة الباب و غيرها. و التَّحَلُّق تفَعُّل منها، و هو أَن يتَعمَّدوا ذلك. و تَحلَّق القومُ جلسوا حَلْقة حَلْقة.اهـ

قلت: نفهم مما سبق أن المراد من " التحلق " المنهي عنه في الحديث، هو التوزع في حلق كثيرة مبثوثة. و قد ورد ذلك صريحا، و هو بلفظ " النهي عن الحِلَقِ " - على الجمع -.

قال المقري: فإذا نهى عن التجمع كان نهيا عن تعدد الجماعات لا عن التجمع في جماعة واحدة.

و أسألك ما هو الفعل الذي ستستعمله كي تنهى نفرا من الرجال عن تشكيل حلقة.

و إني لأخشى أن يأتي يوما ما غيرك فيقول إنما نهى عن كون المصلين في شكل حلقة و أما في حالتنا فالمصلون يشكلون صفوفا. و هذا أمر له نظائر في السنة، ففي " صحيح " مسلم (996) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: " ... ثم خرج علينا فرآنا حِلَقًا فقال: «ما لي أراكم عزين». قال: ثم خرج علينا فقال: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟». فقلنا: يا رسول الله و كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأول و يتراصون فى الصف».

قوله (عزين)؛ مفردها عزة و هي الجماعة المتفرقة و المراد ما لي أراكم أشتاتا متفرقين.

قال المقري:فأنت تنهى إذا عن تعدد الحلق في المسجد في غير يوم الجمعة قبل الخطبة. و لا أراك ستجيب بالإيجاب لأن هذا سيبين فساد قولك.

و كثرة الحِلَق وقت الصلاة - و إن كانت للمذاكرة، إلا أن يكون المسجد واسعا – يفسد نظم الصفوف و يشوش على سكينة المكان.

فالنهي في الحديث – على هذا الوجه - إنما هو عن هيئة الإجتماع، و ليس عن مضمونه، و هذا ظاهر.

قال المقري: بل هذا تأويلك للنص بغير دليل من نص أو إجماع أو ضرورة عقل. أما الظاهر فليس فيه ما قلت و لو حاولت ذلك مرة أخرى.

و على كلٍّ، فإن المعنى من الحديث معقول؛ و هو صيانة المساجد مما لم تُبنَ له و تنزيهها عما لا يليق بها. و لذلك قُرن التحلق - هنا - بالبيع و الشراء، و تناشد الأشعار، و نشدان الضالة. و هي أمور كلها تجتمع في كونها دنيوية، يحدث بتعاطيها اللغط و الإضطراب.

قال المقري: هذه دعوى طويلة عريضة وكم سمعنا مرات من غير واحد التفريق بين أن هذا الأمر معقول و الآخر تعبدي بدون دليل.

و دعني أقول لك لماذا لا يكون النهي عن ذلك حتى لا يمل المصلي من الكلام فتأتي الخطبة و قد تعب و لم يعد يفهم شيئا. وهاهو رسول الله و هو الذي لا يمل كلامه كان يتخول الصحابة بالموعظة خشية أن يملوا. وكانت خطبته قصيرة و جعلها –أي قصر الخطبة-من مئنة فقه الرجل.

فنشدان الضالة: طلبها و السؤال عنها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير