و قال الخطابي في "معالم السنن " (1/ 247): إنما كره الإجتماع قبل الصلاة للعلم و المذاكرة، و أمر أن يشتغل بالصلاة، و ينصت للخطبة و الذكر، فإذا فرغ منها كان الإجتماع و التحلق بعد ذلك.
- و قيل: المراد من النهي عن التحلق إذا عم المسجد.
قال البيهقي مترجما للحديث في "سننه " (3/ 234): باب من كره التحلق في المسجد إذا كانت الجماعة كثيرة و المسجد صغيرا وكان فيه منع المصلين عن الصلاة.
و أوضح هذا في كتاب " الآداب " له (1/ 326) فقال: و أما الذي رويناه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، في النهي عن ذلك يوم الجمعة قبل الصلاة، فهو لما ذكرنا من المعنى في الترجمة.
و كذا قال النووي رحمه الله في " الخلاصة " (2/ 787) في ترجمة الحديث: (باب النهي عن التحلق في الجامع قبل الصلاة إذا كان فيه تضييق على المصلين، سواء التحلق للعلم أو غيره)
و قال الطحاوي في " شرح معاني الآثار " (4/ 359): التحلق في المسجد قبل الصلاة مما عمه من ذلك فهو مكروه، و ما لم يعمه منه ولم يغلب عليه فليس بمكروه.
و قال الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه " الفقيه و المتفقه " (3/ 74): هذا الحديث محمول على أن تكون الحلقة بقرب الإمام، بحيث يشغل الكلام فيها عن استماع الخطبة، فأما إذا كان المسجد واسعا و الحلقة بعيدة من الإمام، بحيث لا يدركها صوته فلا بأس بذلك. وقد رأيت كافة شيوخنا من الفقهاء، و المحدثين يفعلونه، و جاء مثله عن عدة من الصحابة و التابعين رضي الله عنهم.اهـ
قلت: و سيأتي ذكر من كان يفعل ذلك من السلف إن شاء الله تعالى لاحقا.
- و قيل: إنما المراد النهي عن التحلق للحديث في أمور الدنيا.
قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله في كتابه " فصول و مسائل تتعلق بالمساجد " (1/ 38): و أما النهي عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة فيظهر أنهم كانوا يتحلقون في المسجد يتناجون إذا جمعهم المسجد للصلاة، فربما حضرت الصلاة وهم يحلقون، و ذلك مما يشوش على المصلين، حيث أمروا إذا دخلوا في المسجد لصلاة أن يقوموا في الصفوف، و يكملوا الصفوف الأول فالأول، و لا يتفرقون، و ذلك لأن التحلق يشغلهم عن القراءة و التنفل بالصلاة، و يسبب تقطع الصفوف، فيخرج الإمام و هم حلق يتناجون، و قد يكون حديثهم في أمور دنيوية، يتساءلون فيها، لبعد عهدهم بالتلاقي، فيغتنمون ذلك التلاقي، فربما قطع الصفوف، مع كونهم مأمورين بالتبكير يوم الجمعة، و التراص في الصفوف، فالتحلق يخالف هيئة اجتماع المصلين، فمن حضر للصلاة فعليه أن لا يهتم بسواها، فالتحلق فيه غفلة عن الأمر الذي جاؤا لأجله، الذي هو العبادة و الإنصات للخطبة.اهـ
و قال في بعض دروسه (الدرس الخمس من " أصول السنة للإمام أحمد "):
كان الصحابة إذا جاءوا لصلاة الجمعة يكون بعضهم بعيد العهد بإخوته فيتحلقون حلقاً في المسجد، فيرقى النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر و هم لا يزالون حلقاً، هناك حلقة، و هناك حلقة، و هناك أخرى، و هناك رابعة، و هناك خامسة، فنهى عن التحَلُق يوم الجمعة قبل الصلاة، أي: الذي يقصدون به التحدث فيما بينهم، و أمرهم إذا دخلوا للمسجد أن يصفوا صفوفاً، و أن يكونوا صفوفاً على هيئتهم حتى يأتي الإمام و هم على مصافهم، حتى لا يحصل اختلال و اضطراب عندما يريدون أن يأخذوا مصافهم.اهـ
و قال – حفظه الله – في بعض فتاواه (13/ 45): و قد ورد النهي عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة. و هو نهي للذين يدخلون المسجد لصلاة الجمعة. نهى عن تحلقهم في نواحي المسجد يتناجون، فيدخل الإمام و هم كذلك، فأمروا بأن يصفوا في أماكنهم للصلاة. اهـ
قلت: و يؤيد هذا التأويل رواية ابن خزيمة و فيها: " نهى النبي صلى الله عليه و سلم ... عن التحلق للحديث يوم الجمعة قبل الصلاة - يعني في المسجد – "
و في " مصنف " ابن أبي شيبة (5408): " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلق للحديث يوم الجمعة قبل الصلاة ".
¥