يتبادر منه المكان المحدد، ويحتمل أن يراد المكان المعد للسعي فيشمل ما زاد على المسعى القديم توسعة له 0
وقوله ((كالطواف))
يعني المعنى الثاني، فإن المكان الذي يختص به الطواف لا يقتصر على ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم 0
فقد كان المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو الموضع المعروف الآن بالمطاف، وكان الطواف لا يجوز خارجه، ثم وسع المسجد مرة بعد أخرى،
واتفق أهل العلم على أن ما زيد في المسجد فصار منه صح الطواف فيه 0
وإذا صح هذا في المطاف مع مشاركة الإعتكاف والصلاة وغير ذلك للطواف في الأحكام، إذ تثبت تلك الأحكام كلها للزيادة ثبوتها للأصل ففي المسعى أولى 0
والأصل في هذا قول لله تبارك وتعالى {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي الطائفين والعاكفين والركع السجود} البقرة 125 0
التطهير: يشمل التطهير من الأرجاس المعنوية والحسية 0
والطواف والعكوف والصلاة موضعها حول البيت، فما حول البيت داخل في الأمر بالتطهير 0
فأمر الله تعالى تطهير ما حول البيت للطائفين والعاكفين والمصلين، وكما يوجب تطهير الموضع لهؤلاء يقتضي أن يكون الموضع بحيث يسعهم، ولا تقتضي الحكمة أن يوسع الموضع من أول مرة إلى الغاية التي يعلم أنه لن يضيق بالناس مهماكثروا إلى يوم القيامة، وإنما تقتضي أن يكون أولا بحيث يكفي الناس في ذاك العصر 0 ومع ذلك فلا ريب أن الناس إذا كثروا بعد ذلك ولم يسعهم الموضع وجب توسعته بدلالة الآية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمته من بعده مخاطبون بما خوطب به إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من تطهير ما حول البيت للطائفين والعاكفين والمصلين – أى بالقدر الذي يكفيهم كما مر – 0
وبهذا جرى عمل الأمة، فقد وسع المسجد في عهد عمر، ثم في عهد عثمان، ثم في عهد ابن الزبير رضي الله عنهم، ثم بعد ذلك أكرم الله إمام المسلمين صاحب الجلالة الملك سعود بن عبدالعزيز أيده الله لهذه التوسعة العظيمة، ولعلها مهما عظمت لا تكون آخر توسعة 0
وهذه التوسعات كلها عمل بالآية، وتوسعة المسجد هي نفسها توسعة للمطاف، لإتفاق العلماء على صحة الطواف فيما يزاد في المسجد، غير أن منهم من شرط أن لا يحول بين الطائف والكعبة بناء، ولهذا ولأن ما وراء الموضع المعروف بالمطاف الآن غير مهيأ للطواف، ويكون فيه المصلون والجالسون والمشاة وغيرهم فيشق الطواف فيه لما ذكر ... ، اقتصر الناس على الموضع المعروف بالمطاف، وأصبح يضيق بهم جدا أيام الموسم، فدعت الحاجة إلى توسعته 0
وبلغني ان التوقف عن ذلك منشؤه التوقف عن تأخير مقام إبراهيم، والبحث في مقام إبراهيم يطول، غير أنه يمكن اختصاره بأن توسعة المطاف واجبة قطعا عند تحقق الضيق كما اقتضته الآية، والأمر بتطهير الموضع للطائفين وغيرهم يستلزم الأمر بتهيئته لهم، وإبقاء مقام إبراهيم في مكانه ينافي ذلك، وليس على إبقائه حجة تترجح على هذه الحجة أو تكافئها 0
والمقام هو: الحجر المعروف، وأصله كما في صحيح البخاري في ذكر إبراهيم من أحاديث الأنبياء عن ابن عباس أن إبراهيم عليه السلام كان يقوم عليه وهو يبني الكعبة عندما ارتفع البناء، وعلى هذا فموضعه في الأصل عند جدار البيت 0
وأكثر الروايات وأثبتها أن عمر هو الذي أخره إلى موضعه الآن، وقيل: أخره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: جاء الإسلام وهو في محله الآن، وأياًًَ ما كان فإنما أخر لئلا يضيّق هو والمصلون خلفه على الطائفين، كما نبه عليه ابن حجر في الفتح ج8 ص129 0
فهذا المعنى هو الموجب لتأخيره، وفي تأخيره لهذا المعنى الشهادة لهذا المعنى بأنه موجب لتأخير المقام 0
فإن كان أخر قبل الإسلام فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أخره فالأمر أوضح، وان كان عمر هو الذي أخره فإنما عمل بدلالة القرآن كما مر، وكأن الضيق إنما تحقق في عهده حين كثر المسلمون، ومع دلالة القرآن عمل الخليفة الراشد، وإجماع الصحابة فمن بعدهم، ودلالة القرآن مستغنية بنفسها 0
وهذا المعنى الذي اقتضى تأخيره إذ ذاك قائم الآن، فاقتضاؤه للتأخير الآن بغاية الوضوح 0
¥