ثم على فرض صحة هذا الحدس فلم يجعل المسعى أولا عريضا إلا لترقب أن يكثر الناس فلا يسعهم ما دونه، وعلى هذا فقد كان يجب أن ينكر أهل العلم فعل المهدي قائلين:إن هذا الذي أبقيت وإن كان يكفي الناس الآن ; فقد يكثرون فيما بعد ويضيق بهم، ولا يمكن أن يرد إليه هذا الذي تريد إدخاله في المسجد كما يمكن هدم الدور، لأنه لا يمكن إزالة حكم المسجد، ولا جعله مسجدا ومسعى معا، لأن كلا منهما يختص بحكم، فالحائض ليس لها أن تلبث في المسجد، ولها اللبث في المسعى، فلو طافت المرأة للإفاضة طاهرة وبقي عليها السعي فحاضت عقب الطواف ; أمكنها أن تسعى في المسعى وتتم نسكها وتسافر، ولا يمكنها ذلك في المسجد إلى غير ذلك من الأحكام 0
فلو صح حدس القطبي لدلّ إقرار أهل العلم له على أنهم يرون جواز توسعة المسعى من الجانب الآخر، فيرون انه إذا ضاق ما أبقاه المهدي من المسعى بالناس أمكن توسعة المسعى من الجهة الأخرى 0 فهذا أيضا يدل على جواز التوسعة كما ترى 0
وقد يقال - بناء على حدس القطبي – لعل أهل العلم إذ ذاك علموا أن المسعى في الأصل ; هو جميع ما بين الصفا والمروة، وانه لا يمتنع البناء فيما زاد على الحاجة، فإذا زادت الحاجة هدم من الأبنية ما توفى به الحاجة، وعلى كل حال لا بد من التوسعة عند الحاجة 0
هذا وان الله – تبارك وتعالى – وضع البيت ولم يكن فيما حوله حق لأحد، ثم جعل له حمى واسعا وهو (الحرم) الذي لا يحل صيده ولا تعضد شجره، فهذا الحرم كله من اختصاص البيت، تقام فيه مصالحه غير انه أذن للناس أن يضعوا أيدهم على ما زاد عن مصالح البيت وينتفعوا به، على أن مصالح البيت [لوإحتاجت] يوما ما إلى شئ مما بأيدي الناس من الحرم أخذ منهم، ووفيت به مصالح البيت 0
والى هذا يشير قول عمر للذين نازعوا في بيع دورهم لتوسعة المسجد، قال ((إنما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها، ولم تنزل الكعبة عليكم)) 0 تاريخ الأزرقي ج2ص55
فما حول الكعبة هو من اختصاصها، ليجعل منه مسجدا يطاف فيه، ويعتكف ويصلى 0
فإذا جعل بعضه مسجدا صار مسجدا، وبقي الباقي صالحا لأن يزاد في المسجد عند الحاجة، فما زيد فيه صار منه 0
وما بين الصفا والمروة من اختصاصهما، ليجعل منه مسعى يسعى فيه بينهما، فإذا جعل بعضه مسعى صار مسعى يصح السعي فيه، وبقي الباقي صالحا لأن يزاد في المسعى عند الحاجة فما زيد فيه صار منه 0
والكعبة هي الشعيرة في الأصل شرع الطواف بها والعكوف عندها والصلاة، وهذه الأمور لا بد لها من موضع فهو ما حولها 0
فالموضع كالوسيلة ليكون فيه الطواف بالكعبة وغيره 0
وهكذا الصفا والمروة هما الشعيرتان بنص القرآن، فأما ما بينهما فهو بمنزلة الوسيلة ليسعى فيه بينهما، والوسائل تحتمل أن يزاد فيها بحسب ما هي وسيلة له، كطواف الطائفين وسعي الساعين، ولا تجب أن تحدد تحديد المشاعر نفسها 0
والله الموفق
قام بنسخه وتبييضه وإثبات نصه محمد بن عبدالله الدوسري
[email protected]
ملحوظه: المخطوطة موجودة في مكتبة الحرم المكي، وتحت رقم (4683)،
وتحت رقم صور (3581) 0
ـ[صقر بن حسن]ــــــــ[28 - 03 - 08, 07:59 م]ـ
جزاكم الله خيرا.
ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[27 - 06 - 08, 12:49 ص]ـ
جزاكم الله خيرا ونفع بكم
قلم الشيخ عبد الرحمن المعلمي من النمط الصعب، ومن الطراز النادر تقرأ له وكأنك تقرأ لابن تيمية، أما في السلوك وكشف دواخل النفوس فإنما يجري مجرى أبي حامد الغزالي.
فرحمه الله وغفر له وأعيد وأكرر جزاكم الله خيرا على هذه الدرة الثمينة.