وأبي عمر الطلمنكي في آخرين ", انتهى.
وقال الشيخ زروق:" قالوا: وكان ينكر الكرامات , ثم اختلفوا , هل حقيقة أو حماية للذريعة , وهل رجع أم لا , والله أعلم ".
والذي يعرف ابن أبي زيد لا يسعه إلا الجزم باستبعاد أن يكون ممن ينكر الكرامات , وإنما ينكر المغالاة فيها , والاستكثار من التحدث بها , أو الاستناد اليها في دعوى الصلاح , دون التفات إلى مدى التزام مدعيها منهاج السنة النبوية , وكونها من فهم مراده , ووضع كلامه موضعه , فنافح عنه , قال عياض ك" وكان أرشدهم في ذلك وأعرفهم بغرضه ومقداره إمام وقته القاضي أبو بكر بن الخطيب الباقلاني , فإنه بين مقصوده , قال الطلمنكي: كانت تلك من أبي زيد نادرة لها أسباب , أوجبها التناظر الذي يقع بين العلماء , صح عندنا رجوعه عنها " , قلت: والذي يظهر لي انه لم يقع في شيئ يحتاج إلى التراجع عنه , والطلمنكي كان من المناهضين له , ثم لتلميذه أبي بكر المقبري , والله يغفر للجميع. بعض خصاله
وقد اشتهر ابن أبي زيد بجملة من الخصال منها الخضوع للحق , وسرعة الانقياد له كما قاله عنه الداودي , ومنها الكرم وانفاق المال في وجوه الخير عموما , وعلى أهل العلم وطلابه خصوصاً , فقد وهب ليحي بن عبد الله المغربي عند قدومه إلى القيروان مائة وخمسين ديناراً ذهبياً , ووصل القاضي عبد الوهاب بألف دينار ذهباً , عندما بلغه إقلاله , وهو الإقلال الذي خرج بسببه فيما بعد من بغداد , ,, وقد شكك الذهبي رحمه الله في هذا الأمر , على اعتبار أن القاضي عبد الوهاب لم يشتهر إلا بعد وفاة ابن أبي زيد سنة 363 , فإذا صح هذا تبين عدم وجاهة اعتراض الذهبي رحمه الله , فإن الأمر غير مستبعد بالنظر إلى ظهور النجابة على كثير من الناس في سن مبكرة كما ستعلم من تاريخ تأليف ابن أبي زيد للرسالة , ومن السن الذي انتصب فيه مالك للفتوى , وقد كان عمر القاضي عبد الوهاب حين وفاة ابن أبي زيد ثلاثاً وعشرين سنة.
خصائص الرسالة
تميزت رسالة ابن أبي زيد بخصائص عدة من بين كتب الفقه على مذهب مالك , فلها مكانة خاصة فيه , ولها لغتها وأسلوبها , وطريقة عرضها الأحكام , واعتمادها نصوص الكتاب والسنة , وكونها موجهة للولدان , وغيرذلك مما سأذكره:
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[30 - 04 - 08, 02:42 ص]ـ
1 - اللغة والأسلوب
ا- فهي سلسة التعبير , سهلة اللغة , غير مفتقرة في معظم ما فيها إلى الشرح , حتى وصفها بعض الباحثين بأنها أوضح عرض لمذهب مالك رحمه الله , وهي كذلك , لولا عدم استيعابها لبعض المسائل , ووصفها الشيخ زروق بقوله: " رسالة ابن أبي زيد شهيرة المناقب والفضائل , غزيرة النفع في الفقه والمسائل , من حيث إنها مدخل جامع للأبواب , قيبة المرام في الحفظ والكتب والاكتساب ".
ولذلك كان من المفضل أن يبتدئ بها الراغب في قراءة فقه هذا المذهب , وألا يقفز إلى مختصر خليل , أو غيره من المصنفات قبل أن يكون مهيأ لذلك , وأرى أن تقرأ على الطلاب أول الأمر بعيداً عن تفاصيل الشروح ليتمكن الطالب من أمهات المسائل ثم يتدرج في معرفة التفاصيل.
وقد قال محمد بن عمر النابغة صاحب البوطليحية المتوفى سنة 1245 , ينتقد بعض ماكان سائداً في مجتمعه , وهو يريد أن ما يصلح من الكتب لشخص قد لا يصلح لآخر , لأن ذلك يختلف باختلاف الناس ومستوياتهم , وفي آخر الأبيات مالا يرتضى من القول:
علامة الجهل بهذا الجيل \\ ترك الرسالة إلى خليل
وترك الأخضري إلى ابن عاشر \\ وترك ذين للرسالة احذر
وترك الأجرومي للألفية \\ وترك الألفية للكافية
إن خليلاً صار مثل الشم \\ يشمه كل قليل الفهم
قد استوت فيه الكلاب والذئاب \\ ماأبعد السماء من نبح الكلاب!
والملاحظ أن أسلوب المؤلف فيها لم يتغير كثيراً حين اتسع أفقه العلمي , ونضجت معارفه , كما يعرف ذلك بالمقارنة بين ما في عقيدته في هذه الرسالة مثلاً , وبين ماجاء في كتاب الجامع الذي جعله كالخاتمة لمختصر المدونة , ويترجح انه ألفه بعد مدة من تأليفها ,,,
¥