ب- ومن ذلك أنها خالية من التعقيدات التي تميزت بها معظم مصنفات الفقه , والتفريعات التي أدرجت فيها استناداً إلى الافتراضات والآراء , فكان هذا من جملة العقبات التي حالت دون الاستفادة مما في هذه المصنفات من علم غزير , ولا سيما بعد أن فترت الهمم , وكلّت العزائم , ولم تنفع الشروح التي كتبت على تلك المصنفات في كثير من الأحيان , إن لم نقل إن بعضها فيه من الغموض والتعقيد أكثر مما في الأصل.
ح- ومنها الابتعاد عن التعاريف والحدود كما هو عادة المصنفين المتأخرين في الفقه وغيره.
د- ومنها عدم التقيد الصارم بالتراجم , إذ ربما ذكرت أشياء لا تدخل تحت الترجمة , فيذكرها تبرعاً , وقد لا يتقيد بذكر بعض المسائل في مواضعها.
ه- ويعثر قارئها على شيئ غير قليل من التكرار , إما ليرتب المصنف عليه أمرا جديدا يريد ذكره , وإما انه يكرر ليرسخ المعلومات ويؤكدها , أو يشير إلى شيئ بالمفهوم , ثم يذكره بالمنطوق , ولاسيما والرسالة قد كتبت للولدان كا سيأتي ,,
زمن التأليف
وقد كتبها مؤلفها وعمره سبع عشرة سنة , كما ذكره المترجمون له , ولذا وصفت الرسالة بأنها باكورة السعد , وقد دونت استجابة لرغبة من أحد رفاقه وتلاميذه , مؤدب الصبية ومعلمهم القرآن الكريم , وهو أبو محفوظ محرز , بفتح الراء , ابن خلف البكري المولود سنة 340 , المتوفى سنة 413 , وهو الذي أشار اليه في مقدمة كتابه ك" فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أور الديانة مما تنطق به الألسنة وتعتقده القلوب وتعمل به الجوارح ,,,".
العناية بتعليم الصغار
وقد رمى بكتابتها إلى أن تعتمد في تعليم الصغار , وهو ما بينه في مقدمتها حيث قال:" ,,, لما رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان , كما تعلمهم حروف القرآن , ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه ماترجى لهم بركته , وتحمد لهم عاقبته " , وقال في ختامها:" لقد أتينا على ما شرطنا أن نأتي به في كتابنا هذا مما ينتفع به إن شاء الله من رغب في تعليم ذلك للصغار , ومن احتاج إليه من الكبار ".
وقد استحسن القاضي عبدالوهاب هذا من المؤلف حيث قال وهو بصدد شرح قوله:" وأرجى القلوب للخير ما يسبق الخير إليه " , قال وهذا حجة لأبي محمد فيما رسمه في هذا الكتاب من تعليم الولدان , لهذا قال بعض السلف:" لا تمكن زائغ القلب من أذنيك حراسة للقلب أن يتطرقه من ذلك ما يخاف أن يعلق به ".
وقد بين ابن أبي زيد رحمه الله ما للتعليم في الصغر من أهمية علمية وخلقية ونفسية في مقدمة رسالته , ما أحوجنا إلى أن نلتزمها حتى نجتنب هذه الهزات التي تغشانا بين الحين والحين , نتيجة التعليم المتعجل , وبواسطة هذه الرسائل الحديثة التي جلبت معها شراً كثيراً , على رأسه افتقار المعتمدين عليها إلى الأدب , والتدرج في اكتساب المعلومات , والتحلي بفضائل الأناة والصبر , ووضع خلاف المخالف في الحسبان حين مناقشة المسائل , فقد نبه إلى ضرورة تحفيظ الصبيان كتاب الله , وتعليمهم العقائد الصحيحة , وتدريبهم على الصلاة وغيرها من أمور الدين حتى يرتاضوا على أعمال الخير ويتعودوها , فلا يأتي عليهم البلوغ إلا وقد مالت إليها نفوسهم , وأنست بفعلها جوارحهم.
وإني لأعجب أن تكون هذه الرسالة موجهة في أصل وضعها لتعليم الولدان , وهي الآن مما يستثقله بعض الكبار , مما يدل على المستوى العلمي الذي كان عليه الصغار في الأمة قروناً , يوم كان العلم لا يطلب من أجل المعاش وحده , فتجده عند الفلاح والتاجر والبزاز والخباز , وهو أمر أخذ به الكفار في هذا الزمان , وغفل عنه المسلمون الذين صدر عنهم , فأصبح العلم يطلب للمعاش.
قال ابن حزم - رحمه الله- عن الأحاديث والآثار التي أوردها في المحلى بمناسبة كلامه على صلاة السفر:" ولم نورد إلا رواية مشهورة ظاهرة عند العلماء بالنقل , وفي الكتب المتداولة عند صبيان المحدثين , فكيف أهل العلم "؟ , وقد نقل أثناء كلامه على هذه المسألة عن مصنفي ابن أبي شيبة , وعبد الرزاق , والبزار ,فضلاً عن صحيح مسلم وغيره.
¥