وَفِي عَدَمِ أَدَاءِ الدِّينَارِ عَدَمُ الْأَمَانَةِ (فَالْقِنْطَارُ أَقَلُّ مُنَاسَبَةً بِالتَّأْدِيَةِ مِنْ الدِّينَارِ، وَالدِّينَارُ أَقَلُّ مُنَاسَبَةً بِعَدَمِهَا مِنْهُ) أَيْ بِعَدَمِ التَّأْدِيَةِ مِنْ الدِّينَارِ فَشَمِلَ تَنْبِيهُهُ بِالْأَدْنَى جَمِيعَ الصُّوَر.) (وانظر التحبير للمرداوي (2878)
-لم يتعرض الناظم رحمه الله لحجية مفهوم الموافقة بالرغم من كونه تعرض لذلك في المهيع تبعا للتقريب -كما تقدم في مبحث المقارنة-
وقد اختلف أهل العلم في حجية مفهوم الموافقة فذهب الجمهور إلى أنه حجة واختلفت وجهتهم في طريق دلالته هل هي لفظية كما ذهب إليه الجمهور أوقياسية كما ذهب إليه الشافعي
وذهب ابن حزم إلى عدم حجيته وانتصر لذلك في الإحكام (3/ 930) وعده من القياس واختلف النقل عن داود.
قال الآمدي في الإحكام (3/ 49) (ولهذا فإن كل من خالف في القياس مطلقا وافق على هذا النوع من الدلالة سوى أهل الظاهر ولو كان قياسا لما كان كذلك)
وقال ابن مفلح (التحبير للمرداوي (2881 - 2882) وشرح الكوكب المنير للفتوحي (3/ 483):
(وهو حجة ذكره بعضهم إجماعا لتبادر فهم العقلاء واختلف النقل عن داود)
وقال السبكي في رفع الحاجب (3/ 498): (ومن أجل أنه ذو جهتين أجمع على القول به منكروا القياس ومثبتوه)
وينقسم مفهوم الموافقة-بقسميه _من حيث الظهور والخفاء إلى قطعي وظني وربما عبر بعضهم بجلي وخفي، فالقطعي منه حجة عند جميع القائلين بحجية المفهوم وقد تقدمت أمثلته،والظني متفاوت بحسب ظهوره وخفائه فيظهر لبعضهم فيعمله ويظهر لغيره أن غيره أولى منه فيهمله، ومن أمثلته في الأولى:
1 - جعل الشافعية والحنابلة الكفارة في اليمين الغموس-وهي التي يتعمد فيها الحالف الكذب-محتجين بوجوبه في اليمين،قالوا: فإذا شرعت الكفارة حيث لا يأثم الحالف فلأن تشرع حيث يأثم أولى،ولم يسلم لهم ذلك لأن الكفارة قد يكون مراعى فيهاالجبر وإثم هذه اليمين أعظم من أن تكفر (انظر مفتاح الوصول (ص554) والتحبير للمرداوي (2891)
2 - ذهب الشافعية إلى وجوب الكفارة على القاتل عمدا وقالوا لما وجبت على القاتل خطأ كان وجوبها على القاتل عمدا أولى ولم يسلم ذلك لأن لمانع أن يمنع ذلك فيقول إن جناية العامد أكبر من أن تكفر والكفارة شرعت للجبر. (انظر المفتاح للتلمساني (554))
3 - ذهب الإمام أحمد إلى أنه لا شفعة لذمي أخذا من مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه)
(م (1707) وأبو داود (5205) والترمذي (2007) وأحمد (2/ 263) قالوا -أي الحنابلة-فإذا لم يكن لهم في الطريق حق فلا يكون لهم في الشفعة حق.
ولم يسلم لهم ذلك لأن حق الجوار لا يُسقطه الكفر (انظر التحبير للمرداوي (2888) وشرح الكوكب المنير (3/ 488))
4 - ذهب الحنابلة وغيرهم إلى رد شهادة الكافر وفهموا ذلك بطريق الأولى من رد شهادة الفاسق الثابت بالنص الصريح قالوا فالكافر فاسق وزيادة فكان أولى برد شهادته ولم يُسلم لهم ذلك إذ يجوز أن يكون الكافر يتحرى الصدق والأمانة بخلاف المسلم الفاسق،وهذا الذي ذهب إليه الجمهور وإن كان قويا إلا أنه لا يبلغ درجة القطع. (انظر شرح الكوكب المنير (3/ 487) شرح مختصر الروضة للطوفي (2/ 720)
5 - ومن أمثلة الظني أيضا -والظن فيه أضعف من سابقيه-مافهمه الشافعية من جواز السلم الحال،قالوا فإذا جاز السلم مؤجلا فهو في الحال أشد جوازا لقلة الغرر والخطر، ولم يُسلمه الجمهور لأن البيع إنما يثبت ويصح لوجود مقتضيه لا لانعدام مانعه _وفيه نظر _ انظر زاد المعاد (5/ 812مهم) والتحبير للمرداوي (2893)
6 - وفهم المالكية من قوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها ... الحديث) (البخاري ومسلم) وجوب الإعادة على تارك الصلاة عمدا قالوا:إذا كان النائم والساهي يقضيان الصلاة وهما غير مخاطبين فلأن يقضيها العامد من باب أولى.
ولم يسلم لهم هذا الاستدلال لأن التفريط مناسب للعقوبة فلا يمكن المفرط من القضاء لان القضاء جبر. (انظر مفتاح الوصول للتلمساني (ص (554))
7 - ألحق أبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية خلافا لابي حنيفة ووفاقا للأئمة الثلاثة فعل قوم لوط بالزنا في وجوب الحد وهذا من الظني لأن الزنا يوجد فيه من إفساد النسب ما لا يوجد في هذه الفاحشة (انظر التقرير والتحبير لابن أمير الحاج (1/ 320)
والأمثلة كثيرة حتى قال التلمساني في مفتاح الوصول (ص555): (وهذا النوع هو أكثر ما يوجد في مسائل الخلاف) ومن أمثلة الظني في مفهوم الموافقة المساوي:
إلحاق الحنفية و المالكية الآكل في رمضان بالمجامع لمساواته له في الإفطار من غير عذر ولا يسلم لهم المساواة ولذلك ذهب الشافعية والحنابلة إلى قصر الكفارة على المجامع (وانظر التقرير والتحبير (1/ 320)
تنبيه:اضطربت إطلاقات الأصوليين في مفهوم الموافقة وفحوى الخطاب
فبعضهم يطلق مفهوم الموافقة على الأولى فقط ومنهم من يطلقه على النوعين المساوي والأولى.
وكذالك منهم من يطلق فحوى الخطاب على النوعين ومنهم من يطلقها على الأولى فقط ومنهم من يُطلقها على ماهو أعم من ذلك فتشمل مع النوعين مفهوم المخالفة ودلالة الإشارة ودلالة الإيماء ودلالة الإقتضاء.
ومنهم من يسمي مفهوم الموافقة تنبيه الخطاب ومنهم من يسميه مفهوم الخطاب و لحن الخطاب _كما تقدم_ وسماه الحنفية دلالة النص (انظر شرح مختصر الروضة للطوفي (1/ 704) و اللمع للشيرازي (ص44) و التقريروالتحرير (1/ 318) شرح الكوكب المنير (4/ 481)).
¥