[الإجماع]
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[29 - 11 - 07, 07:26 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه بعض المسائل المتعلقة بالإجماع بشيء من الاختصار وليس ذلك بالطويل الممل ولا بالقصير المخل رجوت فيه النفع للإخوة الفضلاء بأبسط صورة ليتمكن من فهمه المبتديء فارجو أن يحصل المقصود بذلك والله الموفق.
أولاً: تعريف الإجماع لغةً واصطلاحاً:
وهو في اللغة يرد لثلاث معان:
أحدها: العزم على الشيء والتصميم عليه ذكره الكسائي والفراء وغيرهما، ومنه قولهم: أجمع فلان على كذا إذا عزم عليه ومنه قوله تعالى: {فأجمعوا أمركم}: أي اعزموا وبقوله عليه السلام: " لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل " (أخرجه الخمسة من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر عن حفصة _ رضي الله عنهم _ مرفوعاً واختلف في وقفه ورفعه ورجح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والنسائي وقفه، ورجح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي والخطابي رفعه، وقال البخاري: فيه اضطراب، وقال أحمد: ماله عندي ذاك الإسناد)
ويجمع أي يعزم وبهذا بوب الترمذي في سننه.
وقال الشاعر:
أجمعوا أمرهم بليلٍ فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
الثاني: تجميع المتفرق ومنه قوله تعالى: {يوم يجمعكم ليوم الجمع}
الثالث: الاتفاق ذكره أبو علي الفارسي والراغب في المفردات والزبيدي وغيرهم، ومنه قولهم: أجمع القوم على كذا إذا اتفقوا عليه، ويقال: هذا أمر مجمع عليه أي متفق عليه.
وفي الحقيقة المعاني كلها تعود إلى معنى الاتفاق فالعزم على الشيء هو اتفاق الخواطر والنوايا على أمرٍ واحدٍ هو ما عزم عليه الشخص وتجميع المتفرق يؤول إلى الاتفاق.
وقد اختلف في دلالة الإجماع على العزم والاتفاق هل هو من باب الاشتراك اللفظي؟ أو أنه حقيقة في الاتفاق مجاز في العزم؟ أو حقيقة في العزم مجاز في الاتفاق؟ ثلاثة أقوال.
الإجماع اصطلاحاً:
اختلفت عبارات الأصوليين في تعريف الإجماع والسبب في هذا يعود إلى أمور:
الأول: الخلاف في تحديد المجمعين فالبعض يرى أنه خاص بأهل الحل والعقد من المجتهدين والبعض الآخر يجعله عاماً فيدخل فيه جميع الأمة من العوام وغيرهم فمن يخصه بالمجتهدين يعبر بقوله: (اتفاق المجتهدين) ومن يدخل العوام يعبر بقوله: (اتفاق الأمة).
الثاني: الخلاف في زمن الإجماع فبعضهم يخصه بعصر الصحابة كابن حزم ومن وافقه وبعضهم يجعله عاماً في جميع العصور، فمن يخصه بعصر الصحابة يعبر بقوله: (اتفاق أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أو اتفاق (الصدر الأول) ومن يجعله عاماً يقول: (اتفاق المجتهدين في جميع العصور)
الثالث: الخلاف في الأمور المجمع عليها فبعضهم يحصرها في الأمور الشرعية وبعضهم يعممها، فمن يحصرها بالأمور الشرعية يقول: (اتفاق على أمرٍ أو حكمٍ شرعي أو ديني) ومن يعممها يقول: (اتفاق على أمرٍ من الأمور).
الرابع: الخلاف في بعض شروط الإجماع مثل اشتراط انقراض العصر واشتراط بلوغ المجمعين عدد التواتر ونحوها فمن يشترط ذلك يجعله قيداً في التعريف ومن لا يشترطه لا يذكره في التعريف.
التعريف المختار:
لعل من أسلم التعريفات للإجماع والذي يتناسب مع ما نرجحه في مسائل الإجماع هو أنه:
(اتفاق المجتهدين من أمة محمدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد وفاته في عصرٍ من العصور على أمرٍ ديني)
محترزات التعريف:
قولنا (اتفاق) قيد يخرج الاختلاف، واتفاق جنس يشمل كل اتفاق سواء كان من الكل أو من البعض وسواء كان من المجتهدين وحدهم أو من جميع الأمة، ويؤخذ من قولنا اتفاق أنه أقل ما يمكن أن يحصل به الاتفاق اثنان.
قولنا (المجتهدين) قيد يخرج من ليس مجتهداً كالعوام والعلماء الذين لم يبلغوا مرتبة الاجتهاد، و (أل) في المجتهدين للاستغراق أي اتفاق جميع المجتهدين فلا يكفي اتفاق الأكثر أو البعض كما سيأتي.
فيخرج بهذا: قول الأكثر، وإجماع أهل المدينة، وإجماع الخلفاء الأربعة، وإجماع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وإجماع أهل الحرمين: مكة والمدينة، وإجماع أهل المصرين: الكوفة والبصرة فكلها لا تسمى إجماعاً كما سيأتي بيانه.
والاجتهاد هو (بذل الفقيه وسعه للوصول إلى حكمٍ شرعي ظني)
¥