تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[المذهب المالكي وتطوره بسنة التجديد للدكتور محمد الحبيب التجكاني]

ـ[أبو حاتم يوسف حميتو المالكي]ــــــــ[09 - 12 - 07, 06:41 م]ـ

المذهب المالكي وتطوره بسنة التجديد -1 -

د. محمد الحبيب التجكاني كلية أصول الدين –تطوان

باستعمال الاجتهاد الاستنباطي وجد الفقه، إلى جانب الشرع؛ فالشرع هو ما أخذ من نصوص الوحي كتابا أو سنة، دون أن يكون في هذه النصوص أي احتمال، فهو يتوفر على اليقين؛ بينما الفقه هو ما أخذ من نصوص محتملة، أو اعتمد الاستنباط بواسطة المقاصد والمبادئ والمصادر التبعية للتشريع، مما لا يتوفر فيه اليقين؛ ولقد كان الصحابة يدركون الفرق بين الشرع اليقيني، والفقه الذي يلفه الاحتمال؛ قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في اجتهاده: هذا رأيي فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني، وأستغفر الله (1)؛ وقال عمر بن الخطاب] في نفس المجال: هذا ما رأي عمر، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن عمر، السنة ك ما سنة الله ورسوله، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة (2).

يزعم بعض العلمانيين من القائلين بتاريخية الوحي: أن الخليفة الرشيد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه عطل بعض نصوص الوحي لأنه رآها غير ملائمة لمقتضيات عصره، كما منع المؤلفة قلوبهم من نصيبهم من أموال الزكاة (3)، وكما في وقفه لحد السرقة (4) عام المجاعة، عام 18ه؛ لكن الواقع غير ما يقولون، فعمر رضي الله عنه دقق في فهم النص، وفي تنزيله على الواقع، فهو لم يعط المؤلفة قلوبهم من أموال الزكاة؛ لأن التأليف لم يعد متوفرا، وهو لم يقم حد السرقة، لأن أحد شروط تطبيق الحد، وهو ألا يسرق السارق تحت ضغط الضرورة أو الحاجة الملحة؛ هذا الشرط لم يتوفر؛ لأن المجاعة العامة كانت قرينة على وجود الاضطرار.

أما الرأي الذي لا علاقة له بالوحي، أو المعارض للوحي، فهذا كان الصحابة، يرفضونه رفضا قاطعا وصارما، مهما يكن قائله؛ لأنه، في تصورهم، مروق من الدين؛ أخرج الإمام مالك في الموطأ: أن معاوية بن أبي سفيان باع سَقُّاية، من ذهب أو وَرِق، بأكثر من وزنها، فقال له ابو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل، فقال معاوية: ما أرى بهذا بأسا؛ فقال أبو الدرداء: من يَعذرني من معاوية، أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه؟ لا أساكنك بأرض أنت بها (5).

وبالفعل استقال أبو الدرداء من مهمته بالشام إلى جانب الوالي معاوية بن أبي سفيان، وقدم على الخليفة عمر بن الخطاب بالمدينة، وشكا إليه تصرف معاوية، فكتب عمر إلى واليه بالشام: أن التزم السنة.

واستمر الأمر على هذا المنهج في عصر التابعين: رجوع إلى الكتاب والسنة، وإلى الاجتهاد الاستنباطي بوسائله المختلفة: مع التفريق بين الشرع والفقه، ومع مراقبة الفقه بالشرع الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وجاء عصر أتباع التابعين، وبدأ تدوين المذاهب الفقهية على يد الإمام زيد بن علي، المولود سنة 80هـ، بالمدينة والإمام أبي حنيفة المولود سنة 80 بالكوفة، والإمام مالك بن أنس المولود بالمدينة بالمدينة سنة 90هـ؛ فمارس كل واحد منهم عملية التشريع بأخذ القواعد الشرعية من نصوصها الواضحة، وبأخذ القواعد الفقهية بواسطة الاستنباط، وفق منهج محدد لدى كل منهم للاستنباط، يجتمع هذا المنهج في الكتاب، والسنة، والقياس؛ ويختلف في بعض الشروط، كعمل أهل المدينة بالنسبة للإمام مالك، واشتراط التواتر في السنة، وكون الراوي فقيها، لدى أبي حنيفة؛ وإن كان هؤلاء لم يكتبوا منهجهم الذي أطلق عليه، فيما بعد، اسم (أصول الفقه)؛ مما سيكتبه الإمام الشافعي المولود 150هـ في كتابه، (الرسالة).

كان الأئمة يميزون بين الشرع والفقه؛ فمالك مثلا كان، عندما يفتي انطلاقا من آية قرآنية أو حديث صحيح واضح، كان يبدو عليه الاطمئنان والارتياح؛ لأنه كان يقول: السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق (6)؛ أما عندما يفتي بناء على الاجتهاد الاستنباطي، فقد كان يقول متمثلا بالآية: {إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين} (الجاثية: 32). ومعنى هذا الظن في الفتوى: أن الإمام مالكا كان مستعدا للتراجع عن فتواه عندما يتضح له دليل اليقين من سنة لم يطلع عليها؛ وبالفعل تراجع الإمام مالك عن إحدى فتاواه الاجتهادية عندما اطلع على حديث لم يكن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير