[مسائل في المجاز (10) لا تقل: الأمر للإيجاب مالم يصرفه صارف ..]
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[01 - 03 - 08, 07:37 م]ـ
مسائل في المجاز (10) لا تقل: الأمر للوجوب مالم يصرفه صارف .. صيغة افعل ليست خاصة بالأمر
وهي لا تدل على وجوب ولا غيره إلا ببينة.
وهذا من الآثار الأصولية لباب المجاز وإثباته ... ولو تابع معنا إخواننا لعلموا أن المسألة ليست باب الصفات الإلهية وفقط ... بل فساد عم وطم ..
وهذا الباب من الأبواب التي لم يُطرد فيها نفاة المجاز قولهم ... فتجدهم ينفون أن يكون للفظ معنى أصيل وضع له لا يخرج عنه إلا بقرينة ... ثم تجدهم رغم هذا يقولون: الأمر للوجوب مالم يصرفه صارف ..
ومحل البحث هنا ليس في الأمر الذي هو ((ألف ولام وميم)) فلهذا بحث آخر ... وإنما محل البحث هنا هو صيغة الأمر –كما أسموها- ((إفعل)) ...
فتجد نفاة المجاز وغيرهم قد استقر أمرهم اليوم على أن هذه الصيغة الأصل فيها أنها تفيد الإيجاب مالم يقم صارف يصرفها إلى معانيها الأخرى التي تُستعمل فيها كالندب والإباحة وغيرها ...
وقولنا الذي نراه: إن صيغة إفعل تستعمل للدلالة على الأمر المقتضي للإيجاب وتستعمل للدلالة على الندب وتستعمل في غير ذلك من المعاني ... ولا يوجد لمعانيها معنى هو حقيقي والآخر مجازي ... بل تستعمل في هذه المعاني جميعاً وتلك الصيغة وحدها ليست حجَّة على الوجوب ولا غيره , ولابد أن يكون معها في نفس الكلام أو غيره ما يبين ما أريد بها؛ فلا يقال إنها تدل على وجوب غيره إلا ببينة.
وتلك الصيغة افعل بلسان أولئك العرب قد تدل على الوجوب , وقد تدل على الندب والإباحة وغيرها , ولابد أن يكون معها ما يدل على ما أريد بها
قال الشوكاني في حديثه عن صيغة الأمر في ((إرشاد الفحول)): فذهب الجمهور إلى أنها حقيقةٌ في الوجوب فقط , وصححه ابنُ الحاجب , والبيضاوي , قال الرازي: وهو الحقُّ , وذكر الجويني أنه مذهب الشافعي , قيل: وهو الذي أملاه الأشعري على أصحابه () اهـ.
قلت: وهذا كلام لا أدري أي أوابد الخطأ فيه أصيد أولاً ... وقد اخترتُ هذا النقل عن الشوكاني لا لنفسه وإنما كأنموذج لهذه المقالة التي استقرت عليها كتب الأصول وصار وسار عليها عمل الناس اليوم وهي خطأ كلها.
فالذي ينسبه الشوكاني للجمهور واستقر عليه الناس اليوم =أنها حقيقة في الوجوب ولا تصرف عنه إلا بقرينة صارفة ..
والذي نقوله:
أنَّ ذلك القول الذي نسبه الشوكاني للجمهور هو قولٌ محدثٌ , ظهر في المائة الرابعة من الهجرة مع الكلام في الحقيقة والمجاز , ولم يكن ذلك القول قول أكثر المعتزلة , ولا كان قول الأشعرية , ولا روي شيء من ذلك عن الشافعي , ولا عن غيره من أئمة الفقهاء , فكيف يقال إنه قول الجمهور؟ وإنَّما هو أحد قوليِّ أبي علي الجبائي , واتبعه عليه الكرخي , والجصاص , وأبو الحسين البصري , وأصحابهم من المعتزلة , ثم اتبعهم الجويني ودلَّسه بذكر الشافعي , ثم الرازي وأصحابه , فشاع ذلك القول في المتأخرين , وأولئك الذين ذكرهم الشوكاني: ابن الحاجب , والبيضاوي , والرازي , والجويني ليسوا هم جمهور الأصوليين ولا الفقهاء؛ وقول الجويني: إنه مذهب الشافعي ليس حجَّة على أن الشافعي كان يقول به , ولم يروه الجويني عن الشافعي بإسناد لا يوثق به , ولا أتى بحجة من كلام الشافعي تدل عليه؛ وخالفه الباقلاني وحكى عن كثير من أصحاب الشافعي إنه إنما وضع للندب إلى الفعل , ودلالة على حسنه , وأنه مرادٌ للآمر به فإن اقترن به ما يدل على كراهية تركه من ذمٍّ وعقاب كان واجباً ... فلا يُقطع بنسبة قول معين من هذين القولين للشافعي .. وقال الزركشي في ((البحر المحيط)): والذي يقتضيه كلام الشافعي أن له في الأمر قولين , أرجحهما أنه مشترك بين الثلاثة , الإباحة , والندب , والوجوب , والثاني أنه للوجوب)) وهذا قول ثالث ..
ولا حجَّة على أن الشافعي كان يقول بشيء من تلك الأقوال , ولا ذكر الشافعي في كتبه شيئاً منها , وأصحاب كل قول من تلك الأقوال أخذوا بقول الشافعي في بعض الآيات والأحاديث , وأعرضوا عن قوله في أمثالها , وكلام الشافعي في الآيات والأحاديث التي ذكرت فيها تلك الصيغة يدل على أنه كان لا يقول فيها بوجوب , ولا ندبٍ , ولا إباحة , ولا غيرها إلا بحجة.
¥