تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تحقيق المناط دراسة أصولية تطبيقية]

ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[06 - 01 - 08, 06:20 م]ـ

[تحقيق المناط دراسة أصولية تطبيقية]

الدكتور / العربي الإدريسي

المقدمة:

نحمدك اللهم حمداً يوافي نعمك، ويكافئ مزيدك، ونصلي ونسلم على خاتم أنبيائك، وصفوة خلقك، نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الهداة الراشدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:

فإن الاجتهاد في إثبات العلة، وجعلها صالحة لتعدية الحكم يتوقف على دراسة ثلاث نقاط:

الأولى: معرفة علة حكم الأصل والوقوف عليها من بين الأوصاف التي تحيط بها، فالخمر لها أوصاف كثيرة؛ منها أنها مائع، ومنها أنها ملونة، ومنها أنها لاذعة الطعم، ومنها أنها مسكرة، فأي هذه الأوصاف هو علة التحريم؟

فالبحث عن العلة في حكم الأصل يسمى تنقيح المناط.

الثانية: معرفة العلة من النص الذي لم يتعرض لها بالعبارة أو الإشارة، كتحريم الخمر، فإنه جاء مجرداً من العلة الكامنة وراء التحريم، وإنما عرفت العلة هنا بطريق الاجتهاد، وهذا ما يسمى بتخريج المناط.

الثالثة: معرفة مدى توافر العلة الثابتة في الأصل في الفرع، وهل هي موجودة فيه أو لا، وهل هي مساوية لها في الأصل أو لا، وهذا ما اصطلح عليه: تحقيق المناط.

وإذا كان الاجتهاد ضرورياً في كل عصر لتنزيل الأحكام على أفعال المكلفين، فإن الحاجة إلى معرفة تحقيق المناط تزداد كلما تطورت حاجات الناس وتعقدت، فالاجتهاد في تحقيق المناط هو طوق النجاة الذي نتشبث به في مواجهة هذا السيل الجارف من الأسئلة التي تواجه المسلم في كل وقت وحين، ولا أدل على ذلك مما تموج به الحضارة المعاصرة من معاملات مالية معقدة، ووقائع شائكة، تفرض نفسها على المجتهد ليبين جهة انضوائها تحت حكم الله، ويعطيها حكمها بالنظر إلى الجملة الاجتهادية التي تحكم التشريع الإسلامي.

وهذه القضايا والمستجدات لا يمكن البت فيها إلا من خلال اجتهاد صحيح، ولا اجتهاد صحيحاً إلا بتحقيق مناط صحيح، وإن كان ذلك يتفاوت بتفاوت العقول والقرائح والملكات، علماً وصلاحاً ودربة وخبرة باختلاف الوقائع والظواهر، ومع أن تحقيق المناط مسلك منوط بأهل الاجتهاد والاستنباط أكثر من غيرهم، لكنه لا يستغني عنه المكلف الناظر فيما يتعلق به من أحكام ونوازل، فالمكلف ينظر في شرعية ما يقدم عليه من فعل، كفعل القصر في الصلاة لعذر السفر، فهل واقعة السفر قيد البحث هي نفسها التي جاءت الأدلة بوصفها موجبة للقصر أو لا؟

وبهذا يتضح أهمية تحقيق المناط وأنه ضرورة من ضرورات ديمومة الشريعة وصلاحيتها، إمداداً لها بالأحكام الفقهية لمستجدات الأمور والأحداث في كل عصر ومصر، قطعاً لدابر تلك الدعوات التي تنادي بحبس الدين في قارورة طقوس وعبادات شكلية وإقصائه عن حياة الناس.

التمهيد:

العلة، تعريفها، وأنواعها، ومسالكها.

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: تعريف العلة لغة واصطلاحاً

أولاً: معنى العلة لغة

تأتي بكسر العين وفتحها؛ أما بالكسر: فإنها تأتي بمعنى المرض، يقال: اعتل العليل علة صعبة، من عل يعل واعتل، أي: مرض فهو عليل.

وأما بالفتح: فإنها تأتي بمعنى الضرة، وبنو العلات: بنو رجل واحد، من أمهات شتى، وإنما سميت الزوجة الثانية علة؛ لأنها تعل بعد صاحبتها، من العلل الذي يعني بها الشربة الثانية عند سقي الإبل، والأولى منهما تسمى النهل، والنهل والعلل معاودة الشرب مرة بعد مرة، ولعله المعنى الأقرب إلى المراد؛ لأن المجتهد يعاود النظر في استخراج العلة مرة بعد أخرى (1).

ثانياً: العلة اصطلاحاً: عرفت بتعريفات كثيرة منها:

التعريف الأول: وهو للغزالي (1)، فيرى أن "العلة هي: الوصف المؤثر في الأحكام بجعل الشارع، لا لذاته" (2).

والمراد بجعل الشارع له مؤثراً: أي أن التأثير وهو الإيجاد إنما يكون من الله تعالى، فالوصف يكون بجعل الله له مؤثراً، أي أن الشارع قد ربط العلة والحكم ربطاً عادياً، فكلما وجدت العلة وجد معلولها، كما ربط بين الرقبة وإزهاق الروح، والنار والإحراق (3).

التعريف الثاني: وبه قال الرازي (4)، والبيضاوي (5)، فالعلة عندهما: أنها الوصف المعرف للحكم بوضع الشارع (6).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير