تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من صور النظر المآلي في فتاوى المالكية]

ـ[أبو حاتم يوسف حميتو المالكي]ــــــــ[08 - 01 - 08, 01:27 ص]ـ

سئل الشيخ ابو ابراهيم إسحاق بن ابراهيم التجيبي فقيل له: " فسر لنا يرحمك الله الاسترعاء الذي أسمع العامة تقوله، ولا أعلم له اصلا، مثل الرجل يخاصم صاحبه، وتطول بينهما الخصومة، فيتداعيان إلى الصلح، فيشهد أحدهما في السر أني إنما أصالحه لأثبت حقي، هل ينفعه ذلك الاسترعاء؟ أو يشهد في السر إني لا أطيب له نفسا بهذا الصلح، وإنما هو مني على وجه دفع خصومة، لا على الإيجاب، فيصالحه، ثم يقوم بما استرعاه أو يعتق العبد ويشهد قبل عتقه أني إنما أعتقته على الاستصلاح له والخديعة، أو يبيع البيع ويشهد قبل ذلك بمثل هذا هل ينفعه في مثل هذا؟ فإني أكرمك الله لم أعلم بهذا يجوز إلا في كل موضع تقية، وخوف من ظلم وغلبة، فإن لم يجز ذلك إلا في مثل هذا، فهل نجيزه في الطلاق وغير ذلك؟ فأفتنا يرحمك الله.

فأجاب:

قد أعجبني حسن تصرفك في جميع ما سألت عنه ودل ذلك على تهممك، وأوجبت بذلك على نفسي عونك، وأسأل الله أن يجعل ذلك منا ومنك له وفيه، آمين.

وقد رأيت ما نزعت به في مسألتك هذه وقسته عليه وصرها حسن جدا، فأما آخرها ففيه غير ما قست عليه، والاسترعاء لا يجوز إلا في وجهين لا ثالث لهما، أحدهما التقية التي ذكرت، والثاني الانكار، فإذا كان هذان الحرفان ثابتين ببينة لا مدفع فيها واسترعى عليهما قبل الصلح أو قبل البيع، فالحجة بذلك للمسترعي قائمة، والاسترعاء باق له في ذلك، لا يغيره شيء، ولا يقطع بشيء ما بقيت التقية، وأقام المنكر على إنكاره، ومتى ذهبت التقية أو عاد المنكر إلى الإقرار، وجب للمسترعي القيام بما استرعى إذا قام في فور ذهاب التقية أو إقرار المنكر، إلا أن يكون المسترعي في ذلك غائبا أو معذورا بما يوجب عذره، فيبقى في الاسترعاء على حجته، إلى حين يمكنه القيام في ذلك، وأما ما ذكرته مما يسترعيه في عتق العبد قبل عتقه أنه إنما يعقد له العتق على الاستصلاح والخديعة ساقطة عنه، وإنما الذي يلزمه ويلزم العبد من ذلك إذا أعتقه إلى أجل أو دبره، واشترط واسترعى قبل التدبير أو العتق المؤجل والتدبير على أنه إن ظهرت منه حوالة في مدة العتق والتدبير في دينه أو فساد شيء من أحواله، فإنه راجع بذلك في حبل رقه، فذلك لازم لهما جميعا، ومتى ثبت ذلك على العبد رجع بذلك في حبل الرق ولم ينتفع بما عقد له إلا أن يشترط السيد أن يكون مصدقا في ذلك، فشرطه بذلك ماض له فيه من غير أن يلزمه إثبات ما ينسبه السيد إليه من الحوالة والفساد في دينه أو في دنياه.

وأما قولك فهل يحيزه في الطاق وغير ذلك؟ فليس الطلاق من كل ما تقدم في شيء إلا في الإخافة والغلبة فقط، فإنه غير لازم، وأما العتق المبتل فلا أعلم فيه استرعاء ولا رايته لمن تقدمنا ولا لمن انتهى إلينا علمه من السلف رضي الله عنهم، وإنما أعرف فيه استثناء لمن دبر أو أعتق إلى أجل متى ظهر من المدبر أو المعتق إلى أجل حوالة أو فساد في مدة التدبير أو في مدة أجل العتق أن يسقط ما عقد له من ذلك ما عقد، فلا حجة، وإن اشترط سيده التصديق في ذلك كان له شرطه، وصدق فيه على حسب ما يشترطه في نفسه من أن يكون مصدقا في ذلك فلا يمين تلزمه للعبد أو مع يمينه، فهذا ما أدركت عليه مشايخنا رضي الله عنهم في التدبير والعتق المؤجل، وقد رايت في زماننا من يعقد الاسترعاء في التقية بالتدبير وبالعتق المؤجل ولا أدري عمن أخذ، فأما في عتق بتْل فلم أسمع به وأنا أهاب أن أقول ذلك في التدبير أو في العتق المؤجل، وأما قولك فهل يجيزه الطلاق؟ فالطلاق والعتق البتل عندي سواء لا أجيز في هذا ولا في استرعاء،، ومن استرعى فيهما على ما ذكرته في مسألتك، من أن يعتق على الخديعة ويطلق على تقية غير معلومة، فالعتق والطلاق لازمان لمن فعل ذلك، لا ينتفع فيهما باسترعاء، وإنما الذي لا يلزم من العتق ولا من الطلاق ما كان ذلك على إخافة معلومة من ظالم قاهر أو غلبة معروفة من ملك جائر يكره المعتق على العتق أو المطلق على الطلاق، فإن هذين لا يلزمهما من ذلك شيء، ولو أشهد على ذلك أهل مصر، إذا كانت الإخافة والغلبة أو الإكراه معلوما". المعيار المعرب للونشريسي 6/ 527 - 528

قلت: إن الاسترعاء هنا يتأسس على أنه يجوز أن يقوم الإنسان بفعل جائز يتوقى به ضررا متوقعا على ألا يثبت لهذا الفعل أثر شرعي رغم جوازه، وظني أنه من باب فتح الذرائع الذي معناه أن ما يفضي إلى المطلوب يصبح مطلوبا ولو كان في الأصل محظورا، والاسترعاء يقتضي التوسل بأمر جائز لدفع ضرر متوقع دون أن يترتب على ذلك حكم، وهذا في أصله حكمه المنع، فاقتضى ذلك فتح باب الذرائع، وفتح الذرائع متفرع عن أصل اعتبار المآل، حيث احتاط الشارع للمفاسد المتوقعة أو المصالح التي قد تفوت على المكلفين بإباحة الوسائل التي تعمل في نطاق المحافظة على قصد الشارع فيها مراعاة للمآل، والله أعلم.

فهل من مذاكر بارك الله فيكم؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير