فالوصف: جنس في التعريف يشمل كل وصف سواء كان مؤثراً أو معرفاً، والمعرف: معناه الذي جعل علامة للحكم، وهو فعل خرج به التأثير في الحكم والباعث عليه، كالإسكار، فإنه كان موجوداً في الخمر، ولم يدل وجوده على تحريمه حتى جعله الشارع علة في تحريمه، فالإسكار وصف معروف، أي علامة على الحكم، وهو التحريم الذي وصفه الشارع (1).
التعريف الثالث: وبه قال الآمدي (2)، وابن الحاجب (3)، والشوكاني (4). فعرفوا العلة بأنها: الباعث على الحكم، أي المشتمل على حكمة صالحة لأن تكون مقصود الشارع من شرع الحكم (5).
وللعلة أسماء كثيرة فمنها: السبب، والأمارة، والباعث، والحامل، والمناط والموجب (6).
المطلب الثاني: أنواع العلة ومسالكها:
أولاً: أنواع العلة
للعلة تقسيمات باعتبارات كثيرة عند الأصوليين فمنها:
التقسيم الأول: من حيث طريقها: تنقسم العلة من حيث طريقها إلى قسمين:
الأول: العلة المنصوصة: وتعني ما جاء به النص صراحة أو ضمناً (1).
كما في قوله تعالى: http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_R.GIF لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_L.GIF(2).
الثاني: العلة المستنبطة: وتعني ما يستنبطه المجتهد ويستنتجه من النص وفقاً للقواعد المقررة، وقواعد اللغة والسياق، ومثاله: تعليل كون الربا موزوناً أو مكيلاً أو قوتاً (3).
التقسيم الثاني: من حيث التعدية وعدمها فتنقسم إلى قسمين (4):
الأول: العلة القاصرة، ويراد بها: ما لا تتجاوز المحل المنصوص عليه، ويمثل لها بتعليل المالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7)، لعلة الربا بجوهرية الثمن في النقدين، فهذا الوصف قاصر عليهما لا يتجاوزهما إلى غيرهما (1).
الثاني: العلة المتعدية، وهي التي يمكن أن تكون في غير المحل المنصوص عليه، كتعليل ربا البر بالطعم أو الكيل مثلاً، فهذان وصفان يمكن تعديتهما إلى الأرز مثلاً (2).
التقسيم الثالث: تقسم العلة من حيث هي علة إلى قسمين:
الأول: العلة الشرعية: وهي التي صارت علة بجعل جاعل، والجاعل هنا هو الشارع - جل وعلا - ويمثل لها بالإسكار في الخمر، فإنه موجود في الخمر قبل مجيء الشرع، لكن الشارع - جل وعلا - عده علة للتحريم (3).
الثاني: العلة العقلية: وهي التي لا تصير علة بجعل جاعل، بل بنفسها، ويمثل لها بحركة المتحرك، فإنها علة عقلاً على كون المتحرك متحركاً (4).
ثانياً: مسالك العلة
والمراد بالمسالك: الطرق التي تدل على كون الوصف علة (5)، وتبرز الحاجة إلى ذكر مسالك العلة؛ لأن من بينها مسلكين: تنقيح المناط وتخريج المناط، وهما قسيمان لتحقيق المناط، وهي نوعان:
النوع الأول: المسالك النقلية، وتتمثل في النص والإجماع.
النوع الثاني: المسالك العقلية، وتتمثل في الإيماء والتنبيه (1)، والمناسبة (2)، والدوران (3)، والسبر والتقسيم (4)، والطرد (5)، وتنقيح المناط (6).
الخاتمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، وبعد:
فقد تناول هذا البحث ما يتعلق بتحقيق المناط وتطبيقاته العملية ويتلخص في نهاية هذا البحث ما يلي:
1 - أن الناظر في أصول التشريع الإسلامي يوقن حقاً بأنه منهج متكامل، فهو لم يدع جانباً من جوانب الحياة، ولا طوراً من أطوار الإنسان إلا ورسم فيه المنهج الأمثل.
2 - تحقيق المناط نوع من أهم أنواع الاجتهاد، بل هو الاجتهاد الذي لابد منه لاستنباط الحكم الشرعي، ولا يمكن تصور اجتهاد صحيح دون تحقيق مناط صحيح.
3 - أن تنقيح المناط وتخريج المناط لا يردان إلا على العلة، أما تحقيق المناط فيرد على العلة وعلى غيرها، فهو أعم منهما.
4 - تحقيق المناط قد يكون منصوصاً عليه، وقد يكون مستنبطاً.
5 - تنقيح المناط وتخريجه وتحقيقه هي جماع الاجتهاد، وبينها ارتباط وثيق، واختلاف.
6 - تنقيح المناط حجة باتفاق العلماء وهو من ضروريات الشريعة.
7 - لتحقيق المناط نوعان: عام وخاص، والأخير منهما هو الفقه الحقيقي في دين الله، ولا يحق للمفتي أن يفتي في مسألة ما إلا بعد إدراكه في الواقعة المسؤول عنها.
8 - تحقيق المناط لا يستغني عن الحاجة إليه المجتهد، ولا المقلد، بل يحتاجه العلماء والعامة.
9 - تحقيق المناط يدخل في كثير من مسائل الفقه، وتختلف أنظار المجتهدين في المسألة الواحدة تبعاً لاختلافهم فيه، وقد تجلى هذا بوضوح في المسائل التطبيقية التي أوردتها.
تلك أبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث في هذا الموضوع، أسأل الله الكريم بمنه وفضله أن يحسن الخاتمة لي ولكل مسلم ومسلمة وأن يغفر لي زلتي ونجزي خيراً كل من سدد هفوتي. اللهم اجعل عملنا كله صالحاً واجعله لوجهك خالصاً. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ـ[أبو عبدالرحمن عبد القادر]ــــــــ[17 - 09 - 08, 08:42 م]ـ
جزاك الله خيراااا
¥