تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اتبعت في بحث هذه الموضوعات منهجاً محدداً أبرز ملامحه ما يأتي:

1 - جمع المادة العلمية من مصادرها الأصلية.

2 - بحث هذه المسألة على ضوء العناصر المتعارف عليها في بحث المسائل الخلافية، من تحرير محل النزاع، وبيان الأقوال، والأدلة، وما ورد عليها من اعتراضات، وما أجيب به عنها من أجوبه، مع بيان الرأي المختار، وأسباب اختياره، وتحقيق القول في منشأ الخلاف، ونوعه، وأهم الثمرات الأصولية والفقهية المترتبة عليه.

3 - عزو الآيات القرآنية إلى المصحف ببيان اسم السورة ورقم الآية.

4 - تخريج الأحاديث من كتب السنة، مع بيان درجة الحديث إذا لم يكن في الصحيحين أو في أحدهما.

5 - ذكر سنة الوفاة لكل علم يرد اسمه في صلب البحث بعد الاسم مباشرة.

هذا وأسأل الباري -سبحانه- أن يرزقني التوفيق والسداد، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على المبعوث بأكمل الرسالات محمد بن عبدالله، عليه وعلى آله وصحابته أتم الصلاة وأزكى التسليم، أما بعد:

فقد حاولت في هذا البحث المختصر أن أسلط الضوء على مسألة مهمة من مسائل الأصول، ألا وهي: "التعليل بالحكمة" من خلال بيان حقيقة التعليل، والحكمة، ومراد الأصوليين بالتعليل بها، وأقوال العلماء في هذه المسألة وأدلتهم، مع بيان القول المختار، وأسباب اختياره، ومنشأ الخلاف في المسألة، ونوعه، وثمرته.

وقد خرجت من بحث هذه الموضوعات بالنتائج الآتية:

1 - الحكمة هي المعنى المناسب الذي قصده الشارع من الحكم، وقد يعبر بها بعض الأصوليين عن المصلحة ذاتها، وقد يجعلها آخرون مرادفة للعلة.

2 - المراد بالتعليل بالحكمة: جعلها المعنى المؤثر في الحكم بغرض القياس وتعدية الحكم بواسطتها من الأصل إلى الفرع الذي وجد فيه هذا المعنى.

3 - التعليل بالحكمة واقع في الشريعة الإسلامية، والمستقرئ للكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين يمكنه الوقوف على نماذج متعددة لهذا الأصل.

4 - الأقوال المشهورة في التعليل بالحكمة ثلاثة، أولها: الجواز مطلقاً، وثانيها: المنع مطلقاً، وثالثها: التفريق بين الحكمة المنضبطة وغير المنضبطة.

5 - القول المختار في المسألة هو القول الثالث القاضي بالتفصيل، وحاصله: جواز التعليل بالحكمة إذا كانت ظاهرة ومنضبطة بنفسها أو بدليل خارج عنها، وتوافرت فيها الشروط المعتبرة في العلة (وهي: أن تكون مؤثرة، وغير معارضة بنص أو إجماع أو معنى أو علة أقوى منها، وأن تكون مطردة يوجد الحكم بوجودها وينعدم بعدمها، وسالمة من النقص أو الكسر) وعدم جواز التعليل بها إن لم تكن كذلك، وهو اختيار جمع من المحققين من علماء هذا الفن، كالآمدي، وصفي الدين الهندي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن الحاجب، وغيرهم، وهو الأشبه بأصول الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل.

وإنما جرى اختيار هذا القول لقوة أدلته، وسلامتها من المناقشة، ولأن فيه جمعاً بين القولين، لكونه وسطاً بين طرفين، ولأن التعليل بالحكمة واقع في الشريعة الإسلامية، ولو سلم لأحد إنكار صورة من صوره فلا يسلم له ذلك في الباقي، ثم إن في الأخذ بهذا الرأي توسيعاً لآفاق الاجتهاد القائم على النظر في المقاصد، خصوصاً وأن الحاجة ماسة إلى ذلك في هذا العصر الذي يشهد تسارعاً مذهلاً في النوازل والمستجدات.

6 - التعليل بالحكمة مركب صعب ومسلك عسير كالنظر في المصالح والمفاسد، فكلاهما يتطلب نوعاً من الاجتهاد الخاص القائم على النظر الدقيق، والروية، والحذر.

7 - ذهب بعض علماء الأصول إلى أن منشأ الخلاف في هذه المسألة هو "حكم القياس في الأسباب"، وهذا الرأي محل نظر، والذي يظهر أن المنشأ الحقيقي لهذا الخلاف هو الخلاف في حكم التمسك بالمصالح المستندة إلى كليات الشرع من دون أن يشهد لها دليل جزئي.

8 - ذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى أن الخلاف في هذه المسألة لفظي وافتراضي، وذهب آخرون إلى أن صور التعليل بالحكمة المنقلة عن الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين لا تعدو أن تكون ضرباً من الاستصلاح، أو من الاستحسان.

وهذه الآراء محل نظر، فإن من تأمل هذه المسألة، وسبر أغوارها، وتتبع آثارها: أدرك أن الخلاف فيها حقيقي وليس لفظياً، وأن صور التعليل بالحكمة التي تناقلها الأصوليون - وإن كان بعضها من قبيل الاستصلاح أو الاستحسان- إلا أن غالبها واقع في باب القياس الأصولي المقتضي تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع اعتباراً بالمعنى الجامع.

9 - انبنى على الخلاف في التعليل بالحكمة خلاف في عدد من الفروع الفقهية، من أهمها: البكارة الحكمية، ورجم اللائط، وقطع النباش، وقتل الجماعة بالواحد، وقطعهم به، وحكم المساقاة، والقصاص من الشهود، وإقامة السيد الحد على مملوكه، وسفر المرأة مع النساء بلا محرم، وحكم القصاص في القتل بالمثقل وغيرها.

10 - ترتب على الخلاف في التعليل بالحكمة خلاف في بعض المسائل الأصولية، ومن أهمها: القياس في الأسباب، والحدود، والكفارات، وهل المعتبر في الأحكام صور الأسباب أو معانيها؟، وهل في الشريعة حكم ثابت على خلاف القياس؟ إضافة إلى حكم التعليل بالعلة القاصرة، وحكم إطلاق لفظ العلة على الحكمة، والواجب على المجتهد عند تعارض الحكمة مع الوصف الظاهر، أو العدمي، أو الإضافي، أو التقديري، أو الحكم الشرعي، والخلاف في صحة سؤال الكسر وهل يكون مبطلاً للعلة؟.

11 - التعليل بالحكمة ييسر على المجتهدين استنباط أحكام النوازل والمستجدات، وقد أخذت به المجامع الفقهية وبعض الفقهاء المعاصرين في عدد من المسائل والقضايا الجديدة.

وفي الختام أسأل الباري سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يغفر لي ما وقع فيه من خطأ أو زلل، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير