معرفة من تُقْبَل روايته ومن تُرَد
فيه مسائل:
الأولى - قال ابن فارس في فقه اللغة: تؤخذ اللغة سَماَعاً من الرُّوَاة الثقات ذوي الصّدق والأمانة ويُتَّقَى المظنون فحدَّثنا علي بن إبراهيم عن المَعْدَاني عن أبيه عن معروف بن حسان عن الليث عن الخليل قال: إن النَّحَارير ربما أَدْخَلوا على الناس ما ليس من كلام العرب إرادة اللَّبْس والتَّعْنيت
قال ابن فارس: فَلْيَتَحَرَّ آخذُ اللغة أهل الأمانة والصّدْق والثّقة والعَدالة فقد بلغنا من أمر بعض مَشْيَخة بَغْداد ما بَلَغَنا
وقال الكمال بن الأنباري في لُمَع الأدلّة في أُصول النَّحْو: يُشْتَرط أن يكونَ ناقلُ اللغة عَدْلاً رَجلاً كان أو امرأة حرّاً كان أو عبداً كما يُشْترط في نقل الحديث لأن بها معرفةَ تفسيره وتأويله فاشْتُرطَ في نقلها ما اشتُرط في نقله وإن لم تكن في الفضيلة من شكله فإن كان ناقل اللغة فاسقاً لم يقبَل نقله
الثانية - قال ابنُ الأنباري: يُقْبل نقْل العَدْل الواحد ولا يُشْترط أن يُوافقَه غيرُه في النَّقل لأن الموافقة لا يخلو إما أن تُشْترط لحصول العلم أو لغَلبة الظَّن
بطل أن يُقال لحُصُول العلم لأنه لا يحصلُ العلمُ بنَقْل اثنين فوجب أن يكونَ لغَلَبة الظنّ وإذا كان لغَلَبة الظنّ فقد حصلَ غلبةُ الظنّ بخبَر الواحد من غير مُوافقة
وزعم بعضُهم أنه لا بد من نَقْل اثنين كالشهادة وهذا ليس بصحيح لأن النَّقْل مَبْنَاه على المُسَاهلة بخلاف الشهادة ولهذا يُسْمع من النساء على الانفراد مطلقاً ومن العبيد ويُقبل فيه العَنْعَنَة ولا يشترط فيه الدّعوى وكلُّ ذلك معدوم في الشهادة فلا يُقاسُ أحدُهما بالآخر
انتهى
وقال السيوطي بعد ذلك:
ويُؤخذ من هذا أن العربيَّ الذي يُحْتَجُّ بقوله لا يشترط فيه العَدَالة بخلاف رَاوي الأشعار واللّغات ..
بمعنى العربي القح حجة فى اللغة .... سواء أكان مسلما ام كافرا .... وهذا مجمع عليه فالشعر الجاهلي حجة مع ان أهله مشركون .....
لكن الراوي قد لا يكون من أهل اللغة فقد يكون أعجميا أو حضريا أو من المولدين ... فلا تقبل روايته الا بالشروط المعتبرة ..... :قال الزَّرْكَشيّ في البحر المحيط: قال أبو الفضل بن عبدان في شرائط الأحكام وتبعه الجيلي في الإعجاز: لا تلزمُ اللغةُ إلاّ بخمس شرائط:
أحدها - ثبوت ذلك عن العرب بسنَدٍ صحيح يُوجبُ العملَ
والثاني - عدالةُ الناقلين كما تُعْتَبَرُ عدالتُهم في الشَّرعيات
والثالث - أن يكون النقلُ عَمّن قولُه حجة في أصل اللغة كالعرب العاربة مثل قحطان ومعدّ وعدنان فأما إذا نقلوا عمَّن بعدهم بعد فَسَاد لسانهم واختلاف المولّدين فلاَ
قال الزركشي: ووقع في كلام الزمخشري وغيره الاستشهادُ بشعْر أبي تمام بل في الإيضاح للفارسي ووجّه بأنَّ الاستشهاد بتقرير النّقَلة كلامَهم وأنه لم يخرج عن قوانين العرب
وقال ابنُ جنّي يُسْتَشْهَدُ بشعر المولَّدين في المعاني كما يُستَشْهد بشعر العرب في الألفاظ
والربع - أن يكون الناقلُ قد سَمعَ منهم حسّاً وأمَّا بغيره فلا
والخامس - أن يسمع من الناقل حسّاً
انتهى
قلت: بل ان كبار الشعراء كابي تمام والمتنبي والبحتري .... لم تكن اشعارهم حجة فى اللغة ... بسبب زمنهم المتأخر
وأقصى ما يمكن هو الاستشهاد بالمعاني كالتشبيهات والاستعارات وضروب المدح والفخر .... ولا يسمح بالاستشهاد بألفاظهم .... مثل الرفع او النصب او الصيغ الصرفية .... كما قال ابن جني قريبا.
إذا تقرر هذا .... عدنا الى "الوضوء رطلين" ... تنزلا فقط ....
فعلى افتراض ان هذا التعبير صدر عن عائشة رضي الله عنها (وهذا مستبعد لأننا سنفقد الثقة فى كل المحدثين الذين ضعفوا شيئا) أرى احتمالين:
1 - أن يكون الرطلين ..... لغة ... كالرفع فى "إن هذان لساحران" ..... وهنا فائدة ...... إن كان التعبير "غير السليم "صادرا مما لا يحتج به فهو لحن ..... وان كان صادرا عمن يحتج به فهو لغة من اللغات ... فلو قدرنا هذا الكلام صادرا عن عائشة فلا يعقل انها لحنت لانها من فصيحات العرب وتربت فى بيوت الفصاحة .... وفى بيئة فصيحة هي قريش ..... فلا نقول الا انها قالت ذلك على لغة من لغات العرب ....
¥