تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان الأستاذ المغربي –أمدَّ الله في حياته- كتب في هذه المجلة (الجزء الرابع من المجلد الثامن والعشرين، في الصفحة 647، من السنة 1953) كلمة حول (الكحول) و (الغول) وأتى بشرح لكلمة (كُحيل) وإمكان إطلاقها على ما يقصده العامة من كلمة (اسبيرتو) ذلك المائع اللاذع المستقطر من كل مادة سكرية خمور ( fermentescible) عانت اختماراً غولياً بفعل خميرة يسميها الكيمياويون (غَوْلاز alcoolase). لكن هذا الشرح زاد في الأمر تعقيداً وأضاف إلى مرادفات هذه المادة كلمة جديدة نحن في غنى عنها وفي أيدينا كلمة (غول) الملائمة كل الملاءمة للغرض المستعملة له سواء أكانت حديثة الاستعمال لما يوافق ( alcool) الافرنجية أم كانت قديمته.

أما إن أصل كلمة ( alcool) الافرنجية عربي من al, cohol كما استنبطه الغربيون) فهذا لا ريب فيه باعتراف الفرنجة أنفسهم بذلك. وإنما استعاروا نعومة خاصة في الـ (كحل) الصلب، وهو ذرور غاية في النعومة، (يستعمل للتكحيل)، للطافة وبَخورية ( volatilité) في (الغول) المائع، وهو قُطارة غاية في اللطافة والبخر، من باب المجاز لا من باب الحقيقة والانطباق على الواقع، لأنهم يقولون: ( al: الـ، بالعربية، و cohol: شيء طيار ( chose subtile. و ( subtil من اللاتينية subtilis: غاية في النعومة والدقة واللطافة الخ. ومنها في الافرنسية مصدر subtiliser: بخَّر، صعَّد، حوَّل إلى بخار أو غاز. فالـ ( subtil) على هذا بَخور، صَعود، وِزان فَعول الدال على القابلية).

وعندي أن العرب وهم أول من استقطر (الغول) من النبيذ أو الخمر، لم يسموه (كحول) (4) ولا كُحيل، (على التصغير) إنما أسموه في البدء (روح النبيذ أو الخمر) من الاستقطار أو البخر والتصعد فكأنما هو روح يَصعَّد من صميم النبيذ. وهذا ما حمل الافرنج أن يشرحوا ( cohol) بكلمة ( subtil) أي البخور، الطيار الصَعود الخ، وينقلوا عن العرب جملة بالمعنى نفسه ( esprit- de- vin) وباللاتينية ( spirito) ومعناها الروح.

بعد هذا لا مجال لوجه الشبه بين (الكُحل) الصلب أو (الكُحيل) المائع الغليظ الكثيف حتى يطلق العرب – وهم مشهورون بسلامة الذوق ودقة التشبيه – على (روح النبيذ) كلمة (كحل) أو (كحيل).

ولو كان ( alcohol) منتقلاً عن (الكُحيل، بضم ففتح) لوجب أن تكون في لسانهم ( alcohyl) لا ( alcohol) التي ليس من شك في أنها عن (كُحل).

والأتراك يلفظون الكلمة الافرنجية ( alcool): ( كُؤول) بالهمزة وبضمة ثقيلة مبسوطة كما في لفظ الكلمة (حُؤول) إذ لا يستطيعون لفظ الحاء من مخرجها الحقيقي من الحلق. ولولا اللبس بكلمة (الكُهول) –جمع كهل- للفظوها (كهول) كما هي عادتهم في لفظ الحاء العربية هاء. ومنهم انتقلت إلى من أخذ عنهم في مدارسهم من العرب (من سوريين، وعراقيين، ومصريين) في العهد العثماني السابق. والزملاء المصريون لا يزالون يستعملون كلمة (كحول) ويحسبونها (مفرد) لا (جمع) (5) فيقولون ويكتبون في محادثاتهم ونشراتهم أو مجلاتهم: (كحول صاف، كحول أبيض) وقد سها عن بالهم أن (كحول) إن صح تسمية (السبيرتو) بها فهي جمع (كحل) وإن (كحول جمع مؤنث). فالخطأ مضاعف: 1) استعمالهم الكحل لما يوافق (الغول)، 2) ظنهم (كحول) (6) مفرداً لا جمعاً ووصفهم إياها بصفات التذكير لا التأنيث.

أما قول الأستاذ المغربي الفاضل إن (الغول) هو (الاغتيال) فهو صحيح. وفي القاموس: (الغول، الصداع، والسكر)، ومن أطلق هذه الكلمة على المائع المستقطر من الخمر قد أصاب لتسميته الشيء بما يؤول إليه، كما في (إني أراني أعصر خمراً، الآية، أي العنب الذي سيحوّل إلى خمر، لأن الخمر لا تعصر. فخمر الجنة (لا غول فيها) (7).

فالصداع والسكر والعربدة و (الاغتيال) وكل ما يبدو من شارب الخمر وغيرها من الأشربة الروحية، من شذوذ فعلاً وخُلقاً ما هو إلا مما تحتوي عليه الخمر أم الخبائث، من (السبيرتو) المادة التي لا ريب في تأثيرها في العقل والجملة العصبية جمعاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير