تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

{1} مضطرا أعبأ بالنظر في تاريخ الشعر العماني على وفق تاريخ الحكم العماني؛ فقد حمل عليه بعض الباحثين ما خرج به من نتائج نظره في تاريخ الشعر على وفق تاريخ الحكم في سائر بلاد العرب، من التردي في مآزق الركاكة والتكلف، الذي طبع على شعر العصر الوسيط بين زمان نهضة العباسيين وزمان نهضة المحدثين (1).

وهو الأمر الذي دعا إلى النظر في سر ذلك التردي الوسيط في سائر بلاد العرب، ثم إلى النظر في كونه في عُمان، فظهر أنه إذا كان الحكم في سائر بلاد العرب للأتراك والمماليك حوالي ستة قرون من القرن الهجري السابع، وهم من العجمة والعي عن البيان العربي فهما وإفهاما، بحيث كسدت لديهم سوق الشعر، وراجت لدى العامة الذين عُرفوا من قديم إلى حديث، بالإعراض عن حقائق الشعر والإقبال على أباطيله، فصنع لهم الشعراء من الركاكة والتكلف، ما أرضاهم - فإن الحكم في عُمان ظل للعرب، وإن شعراء عُمان ظلوا على طريقة شعراء العرب في الزمان الأول، من انتجاع الحكام وامتداحهم واصطناع فاخر الشعر لهم (2)، بل كان أكثر الأئمة والحكام أنفسهم حريصا على الشعر سماعا وقولا (3).

{2} لقد كان محقق ديوان الشعر العماني من ذلك العصر، ينبه على متانة لغته ولا يزيد، وكأنه يخشى أن تدرك شاعرَه وصمة العصر الوسيط (4)، أو يبوح بتميزه على تخوف من أن يرمى باجتزاف القول (5)، ثم كان دارس شعراء النهضة الحديثة العمانيين يلح على ذكر " دورهم الريادي "، و" فكرهم التجديدي "، وعلى قرن " دورهم " في ذلك " بدور " محمود سامي البارودي الذي عاد إلى الينابيع الثرة ليمتاح منها ما يحيي به موات الشعر (6)، وكلا صنيعي المحقق والدارس أقرب إلى إثبات تردي الشعر العماني فيما تردى فيه شعر سائر بلاد العرب آنئذ، منه إلى نفيه!

{3} لقد حاول الدكتور أحمد درويش عرض نماذج لإفلات الشعر العماني من أن تشمله تلك الظاهرة، ثم ذكر الحاجة إلى دراسات أخرى تحمل هذا العبء (7). وينبغي لي أن أذكر أنه على رغم كون هذه المسألة على النحو الآنف عرضه، سبب ولوجي حمى الشعر العماني، فضلا عن شهرة بقائه خصبا لم يقض له البحث حقه - لم أر المنهج التماس النماذج الكثيرة وبيان نجاتها من وصمة العصر الوسيط؛ إذ هو أشبه شيء بالصراخ في الخلاء، لا أَثَرَ ولا سَمْعَ، و" كُلُّ مُجْرٍ في الخَلاء يُسَرُّ "! بل المنهج التماس النماذج الكثيرة من عصور الشعر العماني كلها، وموازنة بعضها ببعض.

إن الناقد الألمعي الشيخ الآمدي، لما وجد في شعر أبي تمام والبحتري، اختلافا شديدا، لم ير الفصل فيه أن ينظر في شعر كل منهما وحده، بل أن يضع شعر كل منهما بإزاء الآخر، بل قد خلص إلى استحسان حصر النظر في القصيدتين المتفقتين في المعنى وفي العروض (8)، وبه قال القرطاجني (9)، واستمر اعتقاده إلى عصرنا هذا (10).

{4} من ثم نظرت في عصر النباهنة (549 - 809هـ/ 1154 - 1456م)، فاخترت الستالي أبابكر أحمد بن سعيد الخروصي (584 – 676هـ)، معاصر مبتدأ العصر الوسيط، وأشهر مذكور بالاقتدار مع النبهاني (11)، ثم نظرت في عصر اليعاربة (1622 - 1741م)، فاخترت الحبسي راشد بن خميس بن جمعة بن أحمد (المولود سنة 1089هـ المجهول سنة الوفاة)، معاصر معمعة العصر الوسيط، والمذكور المشهور بكثرة الشعر والتصرف فيه (12)، ثم نظرت في عصر البوسعيديين (1741م إلى الآن)، فاخترت البهلاني ناصر بن سالم بن عديم الرواحي (1273 - 1339هـ/ 1860 - 1920م)، معاصر معمعة النهضة الحديثة في سائر بلاد العرب، وثورة رادة مدرسة إحياء الشعر، والمذكور في ذروة شعراء عمان (13)، ثم أضفت الصقلاوي سعيد بن محمد الجنيبي، العائش بيننا معاصرا لطفرات الحداثة، وهو المذكور " بخلاصة الشعر العماني النقية الآن "، و" السلفية العصرية " أو " العصرية السلفية " (14)، عسى أن أبين ما بلغته هذه المدرسة الشعرية العمانية من خلال وارثها المعاصر، وأستبين ما تبلغه ضحى الغد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير