تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

{14} ولقد بينت نسب أنواع القافية التي قدمها الجدول الأول، أن الشعراء العمانيين يحرصون على إبراز قافية شعرهم، بعلاج تقييدها بإردافها- فالمردفة عندهم أعلى نسبة- فيعوضونها عن المجرى بالحَذْو (حركة ما قبل الرِّدْف)، وعن الوصل بالردف، فلا يبقى الروي وحيدا، كما في قول الستالي أيضا في مطلع إحدى مقيداته:

"يا دمن الحي عليك السلامْ وجاد أطلالك صوب الغمامْ" (43)

فالقافية (ب الغمام) قوية الإسماع بالقياس إليها هي نفسها لو كانت (بالغَمَمْ)؛ إذ تظهر الميم للسمع بفتحة ما قبلها (الحذو) (44)، ثم تزداد ظهورا بالألف (الردف) التي هي في جوهرها مد للفتحة.

وهو علاج ناجع معروف من قديم، صنع له ابن عبد ربه بابا قال فيه: "اعلم أن القوافي التي يدخلها حروف المد، وهي حروف اللين، فهي كل قافية حذف منها حرف ساكن وحركة، فتقوم المدة مقام ما حذف" (45)، والمقيدة- كما سبق- حذف منها حرف الوصل المتناهي إلى السكون، وحركة المجرى. وقد زاد العلاج بالإرداف نجوعًا، إيثارهم الألف ردفًا، وهي أقوى إسماعا من الواو والياء جميعا (46).

رابعا: أنواع القافية المقيدة على الخصوص

{15} تبين النسب التي قدمها الجدول الأول، أن الحبسي وحده الذي كان حريصا على إرداف القافية المقيدة، في حين آثر أصحابه تجريدها وتساوى لدى الصقلاوي تأسيسها وتجريدها، وتميز البهلاني بقصرها. وأرى أن ارتياح الشعراء لوقوع صيغة كلمة ما، كلمة للقافية، على رغم خلوها مما يصلح ردفا، سبب إهمال علاج تقييدها بإردافها. والأمر، على أية حال، أمر أصوات في هذا وفي ذاك، لم يخرج عن إطار صنعة الشعراء الموسيقية الوزنية. إنني نظرت مثلا في مقيدة الستالي المجردة السابق ذكرها في الفقرة الثالثة عشرة، فرأيتها سبعة وثلاثين بيتا، ورأيت الاسم الثلاثي (الفعل) المعرف بأل، المفتوح العين، المثلث الفاء، قد استولى على أربع وعشرين كلمة قافية: (الغزل، الثمل، الكحل، المقل، الكفل، الرتل، الأزل، الطفل، الخجل، العلل، البلل، الوجل، الكلل، الغيل، الأول، الجذل، القبل، الأجل، النقل، المثل، الوشل، الجبل، الملل، البطل)، أي حوالي 65% من كلمات قوافي أبيات القصيدة، ونظرت في مقيدة البهلاني التي مطلعها:

"نكسي الأعلام يا خير الملل رزئ الإسلام بالخطب الجلل" (47)

فرأيتها تسعة عشر بيتا ومائة، ورأيت الاسم نفسه معرفا بأل وغير معرف بها، قد استولى على ثمان وستين كلمة قافية، أي حوالي 57%، يجيش بعقله الوزن الصرفي مختلطا بالوزن العروضي، فتخرج القافية على وفقهما معا (48).

{16} ولا يخلو تميز الحبسي دون أصحابه، بإرداف القافية المقيدة، من دلالة على أنه- وهو الضرير المستوفز السمع- كان أشد إحساسا بأصوات قافيته، ولا سيما أن معتمده الوحيد لبناء بيته، ترديده وترجيعه حتى يستقيم، فأما أصحابه وغيرهم، فمن قديم إلى حديث يعتمدون على الكتابة.

{17} أما تأسيس القافية المقيدة الظاهر النسبة لدى الصقلاوي، فعلاج ناجع كذلك- وإن بدرجة أقل- لضعف إسماعها، يتضح في قوله في مطلع مقيدته "الشاعر":

"أيها الصدّاح في روض الأماني لا تسافر" (49)

بمقارنة القافية (سافرْ) القوية الإسماع، بها هي نفسها لو كانت (تَسْفُرْ)؛ إذ نسمع لها في الوجه الأول جلبة من مقطعها الأول الطويل المفتوح (ص ح ح)، لا نسمعها في الوجه الآخر، وإن بقي المقطع الآخر على حاله.

{18} أما تميز البهلاني بقصر القافية المقيدة، فمن أن المقاصير نادرة أصلا، بالقياس إلى غيرها من أنواع المقيدة، لا تكاد تجد منها إلا القصيدة بعد القصيدة في الزمان الطويل، فإذا ما وجدت منها شيئا وجدت نفسك تنسب صاحبها إلى تقليد ابن دريد، وإن لم تستوثق من ذلك (50)، وإنما ندرت المقاصير من أنها ضعيفة بناء القافية، يسمعها من لم يتقن هذا العلم، فيظنها معدَّدة القافية لا موحدتها. وتعديدها قديم (51)، وإن لم يسم القدماء العمل منه قصيدة (52)، غير أن بينه وبين قصر القافية فرقا يتضح لمن لم يتقن هذا العلم، بقليل من السماع؛ إذ يجد الشاعر قد التزم قافية واحدة ألفية، بل ربما التزم في أبيات متوالية، حرفا قبل الألف الأصلية، فأعاد الأمور إلى نصابها (53)، كما في قول البهلاني في مقصورته التي مطلعها:

"تلك ربوع الحي في سفح النقا تلوح كالأطلال من جد البلى"

ملتزما الواو:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير