ـ[أبوحاتم]ــــــــ[30 - 10 - 03, 10:32 ص]ـ
مجلة الجامعة الإسلامية.
العدد: (50 - 51)
(المطلب الثاني): في بيان مقدار المسافة في السفر المرخص فيه بالفطر:
اختلفت النقول عن السلف رضي اللّه تعالى عنهم، في تحديد المسافة التي يباح الفطر فيها لمن أراد قطعها أو تجاوزها، اختلافا كثيراً، فقد نقل عن دحية بن خليفة «أنه خرج من قرية بدمشق إلى قرية عقبة من الفسطاط [1] وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثم أنه أفطر وأفطر معه أناس، فكره ذلك آخرون، فلما رجع إلى قريته، قال: واللّه قد رأيت أمرا ما كنت أظن أني أراه، إن قوما رغبوا عن هدى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك [2].
ونقل ابن حزم بسنده إلى اللجلاج قال: كنا نسافر مع عمر بن الخطاب ثلاثة أميال فيتجوز في الصلاة ويفطر ويقصر [3]. كما نقل بسنده إلى وكيع عن مسعد بن كدام عن محارب بن دثار قال سمعت ابن عمر يقول: إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر [4] وأيضا بما رواه بسنده إلى سحيم عن ابن عمر: لو خرجت ميلا لقصرت الصلاة [5].
كما روى بسنده إلى يزيد بن أبي حبيب، أن كليب بن ذهيل الحضرمي أخبره أن عبيد بن جبر، قال كنت مع أبا بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى اللّه عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع- وفي رواية: فدفع- ثم قرب غذاءه، قال اقترب، فقلت: ألست ترى البيوت؟ فقال: أترغب عن سنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فأكل، ثم قال ابن حزم: «والروايات في هذا كثيرة» [6].
ونقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قصر الصلاة في سفره إلى ذي الحليفة- وهى على ستة أميال من المدينة- ونسب ذلك إلى إقتدائه بالنبي صلى اللّه عليه وسلم، فقد قال جبير بن نفير «خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلا، فصلى ركعتين فقلت له: فقال رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين، فقلت له، فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل» [7].
وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر قصر الصلاة إلى خيبر [8]، كما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قصر الصلاة إلى خيبر. وقال: هذه ثلاث قواصد يعنى ثلاث ليال [9]، وروى نافع عن سالم بن عبد الله أن أباه عبد الله بن عمر: ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة في مسيره ذلك، قال مالك وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد [10].
كما روى مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه ركب إلى ريم فقصر الصلاة في مسير ذلك، قال مالك: وذلك نحو من أربعة برد [11]، وقررت هذه المسافة في المصنف لعبد الرزاق بمقدار ثلاثين ميلا [12]، ولكن ابن عبد البر قد رجح تقدير مالك بكونها أربعة برد، يعني أنها ثمانية وأربعون ميلا [13].
وعن مالك بلغه: أن عبد الله بن عباس كان يقوله: تقصر الصلاة في مثل ما بين مكة والطائف، وفي مثل ما بين مكة وجدة، وفي مثل ما بين مكة وعسفان، قال مالك: وذلك أربعة برد [14].
وقد روى الشافعي عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أنه سئل: أتقصر إلى عرفة؟ فقال: لا ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف، وزاد في المصنف فإن قدمت على أهل لك أو على ماشية فأتم الصلاة [15].
وروى مالك عن نافع أنه كان يسافر مع ابن عمر البريد فلا يقصر الصلاة [16]، وعن عطاء بن أبي رباح أن عبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن عباس رضي الله عنهما كانا يصليان ركعتين ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك [17].
تعليقات هامة حول هذه النقول عن السلف رضى اللّه عنهم:
(أ) يتبين من هذه النقول لأول وهلة أن مسألة تحديد المسافة، التي هي مناط الرخصة في القصر والفطر، ليست سهلة كما يظن بعض أهل العلم من المعاصرين، بل هي مسألة قد تباينت فيها آراء السلف تباينا كبيرا، فقد ترواحت تقديراتهم من ثلاثة أميال إلى مسيرة ثلاثة أيام كما أوضحتها هذه النقول:-
(ب) إن تحديد هذه المسافة هي مناط الرخصة في القصر والفطر، فما يصلح دليلا لقصر الصلاة يصير تلقائيا دليلا على تحقق رخصة الفطر في السفر، فقد قال عطاء: تفطر إذا قصرت وتصوم إذا أوفيت الصلاة [18].
كما صرح بذلك كثير من أهل العلم [19].
¥