الانتحار في اللغة مصدر: انتحر الرجل، بمعنى نحر نفسه أي: قتلها انظر لسان العرب وتاج العروس مادة نحر.
ولكن الفقهاء لم يستعملوه بهذا المعنى، لكنهم عبروا عنه بقتل الإنسان نفسه ولقد ورد في صحيح البخاري في كتاب المغازي وكتاب القدر (فانتحر بها) وفي لفظ (انتحر فلان فقتل نفسه) وذلك في قصة الرجل الذي أثخنته الجراح فاتكأ على سيفه فقتل نفسه
والفقهاء يقولون في تعريف الانتحار هو: قتل الإنسان نفسه بأي وسيلة كانت. وقيل: هو قتل الشخص نفسه.
وقيل: هو أن يقتل الإنسان نفسه بقصد منه في غضب أو ضجر مما به.
وقيل: هو حمل النفس على أي فعل دنيوي يضر بها أو يؤدي إلى هلاكها.
وقال القرطبي رحمه الله: هو أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه في الحرص على الدنيا، وطلب المال، بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف ويحتمل أن يقال في حال ضجر أو غضب أ. هـ بتصرف يسير.
و قيل: هو قتل النفس في غضب أو ضجر أو جزع.
ويمكن أن يقال: هو كل قتل للنفس بغير دافع ديني مجاز بالنصوص الشرعية.
وقتل النفس (الانتحار) بتعاريفه التي مضت، لا خلاف بين العلماء على تحريمه وأن صاحبه مرتكب لكبيرة، مستحق للنار، إما خالداً فيها الخلود المؤقت، أو يدخلها بغير خلود
بل جاء النهي في الإسلام فيما هو دون ذلك، مثل الدعاء على النفس بالموت لضر نزل به ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان ولا بد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي). وجاءت رواية ابن حبان في صحيحه مقيدة الضر في الدنيا (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا) وإسناده قوي على شرط مسلم.
وروى البخاري أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسناً فلعله يزداد، وإما مسيئاً فلعله يستعتب).
والانتحار: إما أن يكون بسبب ضر نزل به في الدنيا من عسر حال أو مرض شديد أو ضيق نفس أو غيره، وإما أن يكون بلا سبب على الإطلاق هكذا عبث، دون ضغوط دنيوية ولا رجاء فائدة أخروية.
وكلا الحالين مما حرمه الشرع كما جاء ذلك في القرآن والسنة فمن القرآن قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} وقوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيرا} قال القرطبي رحمه الله تعالى: ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه، بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال أن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف ويحتمل أن يقال ولا تقتلوا أنفسكم في حال ضجر أو غضب فهذا كله يتناوله النهي وقد احتج عمرو بن العاص t بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات السلاسل خوفاً على نفسه منه فأقر النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه وضحك عنده ولم يقل شيئا. أ. هـ
وأما السنة ففي الصحيحين عن جندب بن عبدالله t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع فأخذ سكيناً فجز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة). فهذا جزع من الجرح وضجر وفر من الألم والأذى الذي لحق به فلم يصبر فتعجل وقتل نفسه ليخلصها من ألم الدنيا، فكان جزاؤه أن حرم الله عليه الجنة، على اختلاف بين العلماء في تفسير هذا التحريم أهو أبدي أم لا.
وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار).
والأحاديث الصحيحة الصريحة في هذا المعنى كثيرة جداً.
ومما يلاحظ هنا، أن النصوص التي وردت بحرمة قتل النفس، أو تمني الموت، علقت بسبب الضر أو الجزع أو عدم الصبر، وكل ذلك حرصاً على الدنيا، أو غير ذلك وحال القاتل نفسه أو متمني الموت في الأدلة التي مضت، ليس لأجل مصلحة الدين وإعلاء كلمة الله حيث لم تتطرق النصوص المذكورة آنفاً إلى من ألقى بنفسه في التهلكة أو دعا على نفسه بالموت لأجل الدين ومصلحته وإعلاء كلمة الله تعالى.
¥