وأما المسألة السابعة: فهو التسبب المباشر في إزهاق النفس حماية للعرض حيث لا وسيلة لها في حماية عرضها إلا بذلك، ومسألتنا هي إزهاق نفس لحماية جمع عظيم من الأنفس المؤمنة.
وأما المسألة الثامنة: فهو عدم جواز أن يستبقي الإنسان نفسه بقتل أخيه أو تركه في الهلكة لينجو بنفسه، وهذا حال المفشي للسر إن لم ينتحر.
وأما المسألة التاسعة: فهو قدرة صاحب السر أن يقي إخوانه من الهلاك بأن ينتحر ولا يفشي سر المسلمين فإن لم يفعل كان كالقاتل عمداً كما قال ابن حزم رحمه الله تعالى في قضية الماء.
وأما المسألة العاشرة فقد ذكرت وجه الشبه عند ذكري للمسألة فليراجع في موضعه.
وهذا جهدي القاصر في ذكر المسائل المشابهة وإلا فهناك الكثير غيرها، ولأن المقصود توضيح الصورة، ومحاولة استظهار الحكم، وليس المقصود المسائل بعينها.
تفصيل حال من وقع في الأسر من المسلمين ومعه سرهم وصور ذلك
ومن هنا أقول: لا يخلو المسلم الذي وقع في الأسر ومعه سر المسلمين من حالين: الحال الأولى فيما يخص السر.
الحال الثانية فيما يخص حامل السر.
أما الحال الأولى لا تخلو من صورتين:
الصورة الأولى: أن يكون سراً ذا معلومات باهتة سطحية، ذيوعها وشيوعها لا يساوي بحال من الأحوال إراقة دم مسلم، وليس من ضرر على المسلمين بذيوعها وانتشارها.
الصورة الثانية: أن يكون السر سراً عظيماً يحتوي على تفاصيل ومعلومات تلحق بالمسلمين ضرراً بالغاً، وتستبيح بيضة الإسلام وأهله.
فبالنسبة للأولى يحتسب المجاهد المأسور ويصبر حتى وإن عذب فإن لم يستطع الصمود فيخبر عن السر، ولا يجوزله قتل نفسه بحال من الأحوال لأن ما معه من السر ليس ذا أهمية ولا يكمن وراءه أذية المسلمين وافتتانهم وقتلهم و استباحة أعراضهم. لكي نقول إنه قتل نفسه فداءً للمسلمين.
وبالنسبة للصورة الثانية فسوف تأتي بعد قليل مع تفصيل الحال الثانية في صورتها الثانية.
الحال الثانية فيما يخص حامل السر.
وهذه لا تخلو من صورتين:
الصورة الأولى: أن يغلب على ظنه أنه سيصمد أمام التعذيب حتى القتل فهنا لا يجوز له قتل نفسه ولا إذاعة السر، وهذا أشبه بمن انغمس في صف الكفار وغلب على ظنه أنه سيقتل هل يعد ممن قتل نفسه بالطبع لا، حيث اتفق الأئمة الأربعة على جواز ذلك قال: شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ج: 4 ص: 351 ما نصه (ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، وقد بسطنا القول في هذه المسألة في موضع آخر، فإذا كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يقتل به لأجل مصلحة الجهاد مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره كان ما يفضي إلى قتل غيره لأجل مصلحة الدين التي لا تحصل إلا بذلك ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا الذي لا يندفع إلا بذلك أولى ..... ) إذاً صموده أمر عظيم عند الله ولا سيما أنه مع جهاده دفع نفسه فداءً للمسلمين واختار هلكته وتلف نفسه لبقاء المسلمين سالمين، ورحم الله الإمام أحمد حيث كان يقول في دعائه اللهم إن قبلت عن عصاة أمة محمد e فداءً فاجعلني فداءً لهم. كما ذكر عنه ابن كثير في البداية والنهاية والشاهد من ذلك تضحية المسلم بنفسه من أجل إخوانه ولا نقف كثيراً عند هذا الخبر هل يصح ما قاله الإمام أحمد أو لا يصح؟ بقدر ما نقف عند بيان حرص السلف على التفاني في مصلحة إخوانهم التي أمر الله بمراعاتها.
الصورة الثانية: أن يغلب على ظنه عدم الصمود إطلاقاً وأنه إن عذب فسوف يفشي السر وهنا تدخل الصورة الثانية من الحالة الأولى وهي أن يكون السر سراً عظيماً يحتوي على تفاصيل ومعلومات تلحق الضرر البالغ بالمسلمين، وتستبيح أعراضهم وتودي إلى وهنهم وعجزهم.
وهنا هل يقال بجواز قتل نفسه فداءً للمسلمين وحرصاً على بيضة الإسلام وأهله أو يقال بعدم الجواز حتى وإن أدى ذلك إلى استباحة بيضة الإسلام والمسلمين. وبمعنى أدق هل يعد ذلك من الانتحار المأذون فيه شرعاً أم لا يعد.
وهنا جاءت تسمية هذا البحث والتأمل باسم [المختار في حكم الانتحار خوف إفشاء الأسرار]
وبادئ ذي بدء لا بد من تعريف الانتحار الذي حرمه الشرع قبل الإجابة عن هذا السؤال.
تعريف الانتحار
¥