تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثامناً: ما رواه ابن جرير الطبري في تاريخه 5/ 194 أن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما اصطرع يوم الجمل مع الأشتر النخعي، واختلفا ضربتين، ولما رأى عبد الله أن الأشتر سينجو منه قال كلمته المشهورة: (اقتلوني ومالكاً)، قال الشعبي: إن الناس كانوا لا يعرفون الأشتر باسم مالك، ولو قال ابن الزبير: اقتلوني والأشتر وكانت للأشتر ألف ألف نفس ما نجا منها شيء، ثم ما زال يضطرب في يد ابن الزبير حتى أفلت منه.

وفي طلب الزبير رضي الله عنه من أصحابه أن يقتلوه مع الأشتر دليل على جواز قتل النفس لمصلحة الدين إذا اقتضى الحال ذلك وإلا لما تجرأ الزبير t على طلبه هذا.

تاسعاً: روى مسلم في صحيحه قصة أصحاب الأخدود وفيها من الدلالة قوله (ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فصعدوا به إلى الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك فقال له: ما فعل أصحابك؟ قال كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا فاحملوه في قرقور، فتوسطوا به البحر، فإذا رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك، ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إذا فعلت قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال بسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات، فقال الناس آمنّا برب الغلام، آمنّا برب الغلام، آمنّا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك، فخدت وأضرمت النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له اقتحم، ففعلوا حتى أتوا على امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام يا أمّه اصبري إنك على الحق).

وفي هذا الحديث دلالة على أن الغلام عندما أمر بقتل نفسه فداءً للدين أن ذلك أمر مشروع ولم يسم منتحراً،وهنا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة أصحاب الأخدود وفيها أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين وقد بسطنا القول في هذه المسألة في موضع آخر أ. هـ

ومما يعلم أن مذهب الحنابلة والأظهر عند الشافعية وهو رواية عند الحنفية وصححها القدوري وهي رواية مرجوحة في مذهب مالك أن من أمر بقتل نفسه بلا سبب مشروع فهو منتحر، ولم يُعدَّ الغلام منتحراً لأن فعله بقصد إعزاز الدين، حيث ما وجدنا على وجه الأرض إلا من أجل عبادة الله ولو كان أمر الغلام أمراً مجرداً عن مصلحة الدين لما جاز، بل من العبث الذي سيؤاخذ عليه.

والغلام أيضاً لم يوح إليه بفعله ذلك، ولم يكن يعلم النتيجة لفعله مسبقاً، وهذا في نظري القاصر من أقوى الأدلة على جواز مسألتنا آنفة الذكر، بل من فعلَ ذلك فهو من الشهداء بمشيئة الله تعالى، ويظهر هذا في تعريف العلماء للشهيد الذي سيأتي بعد قليل

عاشراً: من المقرر عند أهل العلم قاطبة دون استثناء، أن ليس للمسلم استبقاء نفسه بقتل غيره من المؤمنين بحال من الأحوال، فكيف من استبقى نفسه بقتل المئات من المسلمين، وذلك أن المأسور إن أفشى سر المسلمين الذي فيه هلاكهم، فوازعه، ودافعه في ذلك أن يتخلص من العذاب الواقع عليه، ولا يكون ذلك إلا أن يفشي السر، ويهلك المسلمين في سبيل راحته، وهل يقول بذلك جاهل فضلاً عن عالم؟!!! لذا جاءت عبارة التاج المهذب ما يلي: ولا يجوزله أن يستفدي نفسه بقتل غيره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير