تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن ذلك أن المكرهَ على القتل إذا قتل يقتل ; لأنه قتل من يكافئه ظلما استبقاء لنفسه فقتل , كما لو قتله الجماعة. وقال أبو حنيفة، وسحنون: لا يقتل , وهي عثرة من سحنون وقع فيها بأسد بن الفرات الذي تلقفها عن أصحاب أبي حنيفة بالعراق وألقاها إليه , ومن يُجَوزُ له أن يقي نفسه بأخيه المسلم , وقد قال رسول الله: {المسلم أخو المسلم لا يثلمه ولا يظلمه}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا: يا رسول الله ; هذا ننصره مظلوما , فكيف ننصره ظالما؟ قال: تكفه عن الظلم فذلك نصرك إياه} بدائع الصنائع للكاساني

وماقال الفقهاء ذلك إلا لعظم حرمة الدم المسلم أن يراق بهذه السهولة ففي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما) وعند أحمد في الزهد والترمذي في سننه والنسائي كذلك وابن ماجة والبيهقي وغيرهم عن عمرو بن العاص t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا) وفي رواية (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم) وفي رواية أخرى (قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا)

وفي مجمع الزوائد للهيثمي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نظر إلى الكعبة فقال: (لقد شرفك الله وكرمك وعظمك والمؤمن أعظم حرمة منك) رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وعن جابر قال لما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة استقبلها بوجهه وقال: (أنت حرام ما أعظم حرمتك وأطيب ريحك وأعظم حرمة عند الله منك المؤمن) رواه الطبراني في الأوسط.

ولو قيل لنا وكذا يقال في من قتل نفسه خوف إفشاء السر، فنقول {وعجلت إليك رب لترضى} حيث هذه الحالة مخصوصة من عموم النصوص المحرمة لإزهاق النفس بسبب ضر أصابه في الدنيا أو لمجرد الإزهاق، أو كمن قال أريد أن أقتل نفسي في سبيل الله دون بيان لدليل شرعي على جواز فعله، لم نجوز له ذلك وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 25/ 279 ما نصه: وأما قوله أريد أن أقتل نفسي في الله، فهذا كلام مجمل فإنه إذا فعل ما أمره الله به فأفضي ذلك إلى قتل نفسه فهذا محسن في ذلك كالذي يحمل على الصف وحده حملا فيه منفعة للمسلمين وقد اعتقد أنه يقتل، فهذا حسن وفي مثله أنزل الله قوله: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} ومثل ما كان بعض الصحابة ينغمس في العدو بحضرة النبي e وقد روى الخلال بإسناده عن عمر بن الخطاب أن رجلا حمل على العدو وحده فقال الناس ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر لا ولكنه ممن قال الله فيه {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} وأما إذا فعل ما لم يؤمر به حتى أهلك نفسه فهذا ظالم متعد بذلك مثل أن يغتسل من الجنابة في البرد الشديد بماء بارد يغلب على ظنه أنه يقتله أو يصوم في رمضان صوما يفضي إلى هلاكه فهذا لا يجوز فكيف في غير رمضان فقد روى أبو داود في سننه في قصة الرجل الذي أصابته جراحة فاستفتى من كان معه هل تجدون لي رخصة في التيمم فقالوا لا نجد لك رخصة، فاغتسل فمات فقال النبي قتلوه قتلهم الله هلا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال. أ. هـ

وهذه حالة جهادية مندوب إليها، ومأجور عليها، ولا وزر فيها، وذلك لقيام الدليل بل الوزر في فضح المسلمين ودلالة العدو عليهم وهم آمنون في عقر دارهم فيقتلون وتستباح أعراضهم ليبقى هو آمناً من تعذيب الأعداء له، أي استبقى راحة جسده وليس نفسه على قتل إخوانه.

حادي عشر: إن هذا المأسور إن لم يقتل نفسه، وأشاع سر المسلمين وأذاعه قتل غيره وكان في حكم المفرط في إنقاذ حياة غيره، ومن فرط في إنقاذ حياة إنسان كأن رآه في مهلكة فلم يمد له يد العون مع قدرته على ذلك , فهلك الإنسان فإنه آثم لا محالة لوجوب المحافظة على الأنفس , وهذا مما اتفق عليه أهل العلم، واختلفوا في ترتب الضمان عليه في ذلك فذهب الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة في وجه) إلى أنه لا ضمان عليه لأنه لم يهلكه , لا عن طريق المباشرة , ولا عن طريق التسبب. وذهب المالكية والحنابلة في وجه إلى وجوب الضمان عليه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير