تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[07 - 11 - 03, 12:04 ص]ـ

أسرى المسلمين في يد الأعداء:

استئسار المسلم وما ينبغي لاستنقاذه عند تترّس الكفّار به:

أ - الاستئسار:

54 - الاستئسار هو تسليم الجنديّ نفسه للأسر، فقد يجد الجنديّ نفسه مضطرّاً لذلك.

وقد وقع الاستئسار من بعض المسلمين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعلم به الرّسول صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليهم. روى البخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه بسنده قال: «بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عشرةً رهطاً عيناً، وأمّر عليهم عاصم بن ثابتٍ الأنصاريّ، فانطلقوا حتّى إذا كانوا بالهدأة - موضعٌ بين عسفان ومكّة - ذكروا لبني لحيان، فنفروا لهم قريباً من مائتي رجلٍ كلّهم رامٍ، فاقتصّوا أثرهم، فلمّا رآهم عاصمٌ وأصحابه لجئوا إلى فدفدٍ - موضعٍ غليظٍ مرتفعٍ - وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطوا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق ألاّ نقتل منكم أحداً، قال عاصمٌ: أمّا أنا فواللّه لا أنزل اليوم في ذمّة كافرٍ، اللّهمّ خبّر عنّا نبيّك، فرموهم بالنّبل فقتلوا عاصماً في سبعةٍ، فنزل إليهم ثلاثة رهطٍ بالعهد والميثاق، منهم خبيبٌ الأنصاريّ، وزيد بن الدّثنة، ورجلٌ آخر. فلمّا استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيّهم فأوثقوهم، فقال الرّجل الثّالث: هذا أوّل الغدر، واللّه لا أصحبكم، إنّ لي في هؤلاء لأسوةً - يريد القتلى - فجرّوه وعالجوه على أن يصحبهم - أي مارسوه وخادعوه ليتبعهم - فأبى فقتلوه، وانطلقوا بخبيبٍ وابن الدّثنة حتّى باعوهما بمكّة ... » فعلم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بما حدث، وعدم إنكاره يدلّ على أنّ الاستئسار في هذه الحالة مرخّصٌ فيه، وقال الحسن: لا بأس أن يستأسر الرّجل إذا خاف أن يغلب. وإلى هذا اتّجه كلٌّ من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة.

55 - وقد نصّ الشّافعيّة على شروطٍ يلزم توافرها لجواز الاستئسار هي: أن يخاف أن يترتّب على عدم الاستسلام قتله في الحال، وألاّ يكون المستسلم إماماً، أو عنده من الشّجاعة ما يمكنه من الصّمود، وأن تأمن المرأة على نفسها الفاحشة. والأولى - كما نصّ عليه الحنابلة - إذا ما خشي المسلم الوقوع في الأسر أن يقاتل حتّى يقتل، ولا يسلم نفسه للأسر، لأنّه يفوز بثواب الدّرجة الرّفيعة، ويسلم من تحكّم الكفّار عليه بالتّعذيب والاستخدام والفتنة، وإن استأسر جاز، لما روي عن أبي هريرة في الحديث المتقدّم.

ب- استنقاذ أسرى المسلمين ومفاداتهم:

56 - إذا وقع المسلم أسيراً فهو حرٌّ على حاله، وكان في ذمّة المسلمين، يلزمهم العمل على خلاصه، ولو بتيسير سبل الفرار له، والتّفاوض من أجل إطلاق سراحه، فإذا لم يطلقوا سراحه تربّصوا لذلك. وقد كان الرّسول صلوات الله وسلامه عليه يتحيّن الفرصة المناسبة لتخليص الأسرى. روت كتب السّيرة أنّ «قريشاً أسرت نفراً من المسلمين، فلمّا لم يجد الرّسول صلى الله عليه وسلم حيلةً لإنقاذهم كان يدعو اللّه لإنقاذهم دبر كلّ صلاةٍ، ولمّا أفلت أحدهم من الأسر، وقدم المدينة، سأله النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن رفيقيه فقال: أنا لك بهما يا رسول اللّه، فخرج إلى مكّة فدخلها مستخفياً، فلقي امرأةً علم أنّها تحمل الطّعام لهما في الأسر فتبعها، حتّى استطاع تخليصهما، وقدم بهما على الرّسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة». «وقد استنقذ رسول اللّه كلاًّ من سعد بن أبي وقّاصٍ وعتبة بن غزوان رضي الله عنهما، وقد أسرهما المشركون، بأن فاوض عليهما، وحبس اثنين منهم حتّى يطلقوا سراحهما»، «وكذلك فعل في استنقاذ عثمان وعشرةٍ من المهاجرين رضي الله عنهم بعد صلح الحديبية». وقد روى سعيدٌ بإسناده أنّ رسول اللّه قال: «إنّ على المسلمين في فيئهم أن يفادوا أسراهم». ويروى أنّ عمر بن الخطّاب قال: لأن أستنقذ رجلاً من المسلمين من أيدي الكفّار أحبّ إليّ من جزيرة العرب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير