تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

76 - وقال الحنفيّة - وهو قولٌ عند المالكيّة، قاله عبد الملك - في جريمة الزّنى - بعدم إقامة الحدّ عليه، لقوله عليه السلام «لا تقام الحدود في دار الحرب» لانعدام المستوفي، وإذا لم يجب عليه حين باشر السّبب لا يجب عليه بعد ذلك، وقالوا: لا حدّ على من زنى وكان أسيراً في معسكر أهل البغي، لأنّ يد إمام أهل العدل لا تصل إليهم. وقالوا: لو قتل أحد الأسيرين المسلمين الآخر فلا شيء عليه سوى الكفّارة، وهذا عند أبي حنيفة، لأنّه بالأسر صار تبعاً لهم، لصيرورته مقهوراً في أيديهم، ولهذا يصير مقيماً بإقامتهم ومسافراً بسفرهم. وخصّ الخطأ بالكفّارة، لأنّه لا كفّارة في العمد، وبقي عليه عقاب الآخرة.

وقال الصّاحبان بلزوم الدّية أيضاً في الخطأ والعمد، لأنّ العصمة لا تبطل بعارض الأسر وامتناع القصاص لعدم المنفعة، وتجب الدّية في ماله الّذي في دار الإسلام.

أنكحة الأسرى:

77 - ظاهر كلام الإمام أحمد بن حنبلٍ أنّ الأسير لا يحلّ له التّزوّج ما دام أسيراً، وهذا قول الزّهريّ، وكره الحسن أن يتزوّج في أرض المشركين، لأنّ الأسير إذا ولد له ولدٌ كان رقيقاً لهم، ولا يأمن أن يطأ امرأته غيره منهم، وسئل أحمد عن أسيرٍ اشتريت معه امرأته أيطؤها؟ فقال: كيف يطؤها؟ فلعلّ غيره منهم يطؤها، قال الأثرم: قلت له: ولعلّها تعلق بولدٍ فيكون معهم، قال: وهذا أيضاً. ويقول الموّاق: الأسير يعلم تنصّره فلا يدري أطوعاً أم كرهاً فلتعتدّ زوجته، ويوقف ماله، ويحكم فيه بحكم المرتدّ، وإن ثبت إكراهه ببيّنةٍ كان بحال المسلم في نسائه وماله. وتفصيل ذلك في موضع (إكراهٌ) (وردّةٌ).

إكراه الأسير والاستعانة به:

78 - الأسير إن أكرهه الكفّار على الكفر، وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان، لا تبين منه امرأته، ولا يحرم ميراثه من المسلمين، ولا يحرمون ميراثهم منه، وإذا ما أكره على أكل لحم الخنزير أو دخول الكنيسة ففعل وسعه ذلك لقاعدة الضّرورات. ولو أكرهوه على أن يقتل مسلماً لم يكن له ذلك، كما لا يرخّص له في أن يدلّ على ثغرةٍ ينفذ منها العدوّ إلى مقاتلتنا، ولا الاشتراك مع العدوّ في القتال عند كثيرٍ من العلماء، وأجاز ذلك الأوزاعيّ وغيره، ومنعه مالكٌ وابن القاسم. وتفصيل ذلك موضعه مصطلح (إكراهٌ).

الأمان من الأسير وتأمينه:

79 - لا يصحّ الأمان من الأسير عند الحنفيّة، لأنّ الأمان لا يقع منه بصفة النّظر منه للمسلمين، بل لنفسه حتّى يتخلّص منهم، ولأنّ الأسير خائفٌ على نفسه، إلاّ أنّه فيما بينهم وبينه إن أمنوه وأمنهم، فينبغي أن يفي لهم كما يفون له، ولا يسرق شيئاً من أموالهم، لأنّه غير متّهمٍ في حقّ نفسه، وقد شرط أن يفي لهم، فيكون بمنزلة المستأمن في دارهم. وهو ما قاله اللّيث. ووافقهم كلٌّ من: المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، إذا ما كان الأسير محبوساً أو مقيّداً، لأنّه مكرهٌ، وأعطى الشّافعيّة من أمّن آسره حكم المكره، وقالوا: إنّ أمانه فاسدٌ. أمّا إذا كان مطلقاً وغير مكرهٍ، فقد نصّ الشّافعيّة على أنّ أسير الدّار - وهو المطلق ببلاد الكفّار الممنوع من الخروج منها - يصحّ أمانه. قال الماورديّ: وإنّما يكون مؤمّنه آمناً بدارهم لا غير، إلاّ أن يصرّح بالأمان في غيرها. وسئل أشهب عن رجلٍ شذّ عن عسكر المسلمين، فأسره العدوّ، فطلبهم المسلمون، فقال العدوّ للأسير المسلم: أعطنا الأمان، فأعطاهم الأمان، فقال: إذا كان أمّنهم، وهو آمنٌ على نفسه، فذلك جائزٌ، وإن كان أمّنهم، وهو خائفٌ على نفسه، فليس ذلك بجائزٍ، وقول الأسير في ذلك جائزٌ.

ويعلّل ابن قدامة لصحّة أمان الأسير إذا عقده غير مكرهٍ، بأنّه داخلٌ في عموم الخبر الّذي رواه مسلمٌ بسنده من أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم قال: «ذمّة المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم ... » كما أنّه مسلمٌ مكلّفٌ مختارٌ.

صلاة الأسير في السّفر، والانفلات، وما ينتهي به الأسر:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير