تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي هذه الأحاديث دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيماناً , ازداد ابتلاءً وامتحاناً , والعكس بالعكس , ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء , كالحبس أو الطرد أو الإقالة من الوظيفة ونحوها , أن ذلك دليل على أن المومن غير مرضي عند الله تعالى , وهو ظن باطل , فهذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أفضل البشر , كان أشد الناس – حتى الأنبياء – بلاء , فالبلاء غالباً دليل خير وليس نذير شر كما يدل على ذلك أيضاً الحديث الآتي:

146 - (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ).

وهذا الحديث يدل على أمر زائد على ما سبق , وهو أن البلاء إنما يكون خيراً , وأن صاحبه يكون محبوباً عند الله تعالى إذا صبر على بلاء الله تعالى , ورضي بقضاء الله عز وجل.

ويشهد لذلك الحديث الآتي:

147 - (عَجِبْتُ لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ إِنْ أَصَابَهُ مَا يُحِبُّ حَمِدَ اللَّهَ وَكَانَ لَهُ خَيْرٌ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا يَكْرَهُ فَصَبَرَ كَانَ لَهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ أَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ إِلَّا الْمُؤْمِنُ).

أخرجه الدارمي , وأحمد عن حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: (بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ ضَحِكَ فَقَالَ أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمِمَّ تَضْحَكُ قَالَ (فذكره).

وله شاهد آخر مختصر بلفظ:

148 - (عَجَبًا لِلْمُؤْمِنِ لَا يَقْضِي اللَّهُ لَهُ شَيْئًا إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ).

للمسلم أن يتولى دفن قريبه المشرك

161 - (اذهب فوار أباك [يعني: عليا رضي الله عنه] قال: [لا أواريه]؛ [إنه مات مشركا] [فقال: اذهب فواره] ثم لا تحدثن [حدثا] حتى تأتيني. فذهبت فواريته، وجئته [وعلي أثر التراب والغبار]، فأمرني فاغتسلت، ودعا لي [بدعوات ما يسرني أن لي بهن ما على الأرض من شيء]).

أخرجه أبو داود , والنسائي , و وابن سعد , وابن أبي شيبة , وابن الجارود , والطيالسي , والبيهقي , وأحمد , وأبومحمد الخلدي من طرق عن أَبُي إِسْحَاقَ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قد مَاتَ, [فَمَنْ يُوَارِيهِ؟] قَالَ: (فذكره).

من فوائد الحديث:

1 - أنه يشرع للمسلم أن يتولى دفن قريبه المشرك , وأن ذلك لا ينافي بغضه إياه لشركه , ألا ترى أن علياً رضي الله عنه امتنع أول الأمر من مواراة أبيه , معللاً ذلك بقوله (إنه مات مشركا) , ظناً منه أن دفنه مع هذه الحالة قد يدخله في التولي الممنوع في مثل قوله تعالى: (لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) الممتحنة 13، فلما أعاد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه الأمر بمواراته , بادرا لأمتثاله , وترك ما بدا له أول الأمر , , وكذلك تكون الطاعة: أن يترك المرء رأيه لأمر نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ويبدو لي أن دفن الولد لأبيه المشرك أو أمه هو آخر ما يملكه الولد من حسن صحبة الوالد المشرك في الدنيا , وأما بعد الدفن , فليس له أن يدعو له أو يستغفر له , لصريح قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) التوبة 113 , وإذا كان الأمر كذلك , فما هو حال من يدعو بالرحمة والمغفرة على صفحات الجرائد والمجلات لبعض الكفار في إعلانات الوفيات من أجل دريهمات معدودات فليتق الله من كان يهمه أمر آخرته.

2 - أنه لا يشرع له غسل الكافر ولا تكفينه ولا الصلاة عليه ولو كان قريبه , لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لم يأمر بذلك علياً , ولو كان جائزاً لبينه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لما تقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز , وهذا مذهب الحنابلة وغيرهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير