في الحديث مشروعية تلقين المحتضر شهادة التوحيد , رجاء أن يقولها فيفلح , والمراد بـ (موتاكم): من حضره الموت , لأنه لا يزال في دار التكليف , ومن الممكن أن يستفيد من تلقينه , فيتذكر الشهادة ويقولها , فيكون من أهل الجنة , وأما تلقينه بعد الموت , فمع أنه بدعة لم ترد في السنة , فلا فائدة منه , لأنه خرج من دار التكليف إلى دار الجزاء , ولأنه غير قابل للتذكر , (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا) يس 70.
وصورة التلقين أن يؤمر بالشهادة , وما يذكر في بعض الكتب أنها تذكر عنده ولا يؤمر بها خلاف سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كما حققته في "كتاب الجنائز" فراجعه.
حقيقة حياة الأنبياء في قبورهم
621 - (الأنبياء – صلوات الله عليهم – أحياء في قبورهم يصلون).
اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي حياة برزخية , ليست من حياة الدنيا في شيء , ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها , ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا.
هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء , كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قبره حقيقية , قال: يأكل ويشرب ويجامع نساءه , وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى.
فر من المجذوم فرارك من الأسد
971 - (لَا يُورَدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ).
أخرجه البخاري (10/ 198و200)، ومسلم (7/ 32)، وأبو داود (2/ 158)، والطحاوي (2/ 275)، وفي ((المشكل)) (2/ 262)، وأحمد (2/ 406) من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً به.
وقد تابعه محمد بن عمرو: ثني ابوسلمة به.
أخرجه ابن ماجه (2/ 363)، وأحمد (2/ 434).
وفي معناه قوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم:
((إنا قد بايعناك فارجع))، وسيأتي برقم (1968).
(الممرض): هو الذي له أبل مرضى.
و (المصح): من له أبل صحاح.
واعلم أنه لا تعارض بين هذين الحديثين وبين أحاديث ((لا عدوى ... )) المتقدمة برقم (781 - 789)؛لأن المقصود بهما إثبات العدوى، وأنها تنتقل بإذن الله تعالى من المريض إلى السليم، والمراد بتلك الأحاديث نفي العدوى التي كان أهل الجاهلية يعتقدونها، وهي انتقالها بنفسها دون النظر إلي المشيئة الله في ذلك؛ كما يرشد إليه قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي ((فمن أعدى الأول؟)). فقد لفت النبي صلى الله عليه وسلم نظر الأعرابي بهذا القول الكريم إلي المسبب الأول؛ ألا وهو الله عز وجل، ولم ينكر عليه قوله: ((ما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء؛ فيخالطها الأجرب فيخربها))؛ بل إنه صلى الله عليه وسلم أقره على هذا الذي كان يشاهده، وإنما أنكر عليه عند هذا الظاهر فقط بقوله له? (فمن أعدى الأول؟)).
وجملة القول: إن الحديثين يثبتان العدوى، وهي ثابتة تجربة ومشاهدة. والأحاديث الأخرى لا تنفيها؛ وإنما تنفي عدوى مقرونة بالغفلة عن الله تعالى الخالق لها. وما أشبه اليوم بالبارحة فإن الأطباء الأوروبيين في أشد الغفلة عنه تعالى؛ لشركهم وضلالهم، وإيمانهم بالعدوى على الطريقة الجاهلية فلهؤلاء يقال: ((فمن أعدى الأول)) فأما المؤمن الغافل عن الأخذ بالأسباب؛ فهو يذكر بها، ويقال له كما في حديث الترجمة: ((لا يورد الممرض على المصح)) أخذاً بالأسباب التي خلقها الله تعالى، وكما في بعض الأحاديث المتقدمة: ((وفر من المجذوم فرارك من الأسد)).
هذا هو الذي يظهر لي من الجمع هذه الأخبار، وقد قيل غير ذلك مما هو مذكور في ((الفتح)) وغيره. والله أعلم
كتاب التاريخ والسيرة وفضائل الصحابة
معاوية كاتب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
82 - (لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ يعني: مُعَاوِيَةَ).
رواه أبوداود الطيالسي في (مسنده) حدثنا هشام وأبوعوانة عن أبي حمزة القصاب عن ابن عباس: (أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إلى معاوية ليكتب له , فقال: إنه يأكل , ثم بعث إليه , فقال: إنه يأكل , فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ).
¥