اختيار الإمام مالك البدء بهذه المقدمة لابد وأن يكون أدبا استقاه الإمام الفذ من علمه الواسع بعلم الأثر،فهذا ما يتأكد منه الباحث عند اطلاعه على كتاب الأدب المفرد، للإمام البخاري، ففيه أثر يذكر المطالع ببداية الإمام مالك السابقة الذكر:
حيث بوب البخاري بابا بعنوان:
باب كيف يكتب صدر الكتاب؟
ثم روى أثرا بإسناده عن مالك = "الإمام مالك" عن عبد الله بن دينار؛ أن عبدالله بن عمر كتب إلى عبدالملك بن مروان يبايعه، فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم لعبدالملك، أمير المؤمنين من عبدالله بن عمر: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأقر لك بالسمع والطاعة على سنة الله، وسنة رسوله، فيما استطعت"
وقد أخرج هذا الأثر الإمام مالك في الموطأ والبخاري في صحيحه.
وإن كان تصدير الخطاب بالطريقة المذكورة قد ورد عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في الأثر السابق، فإنه لايعني تفرده بهذا الأدب، فقد ورد عن زيد بن ثابت أنه كان يبدأ كتبه بالطريقة السابقة. (ينظر: الأدب المفرد، للإمام البخاري).
ومما أحب الإشارة إليه أني لا أعتقد أن الإمام مالك قد نسي تصدير كتابه بالبسملة،ولكن لطول المدة وبعد الزمان الذي كتبت فيه الرسالة وتعاقب نسخ الرسالة ربما نسي النساخ ذكر البسملة، والله أعلم.
2 - ونلاحظ أن الإمام مالك رحمه الله تعالى بعد أن صدر رسالته بما سبق، دخل في موضوعه بعد الثناء على الله تعالى والدعاء لنفسه وللمرسل إليه باختصار، وهذا يدلنا على أن من منهج الإمام مالك الاختصار وعدم الإطالة في الحديث بلا فائدة، وبهذا نرى أن الإمام مالك يتبع السنة المشرفة في ذلك، فنبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن يطيل في حديثه، حتى أن نقاد الحديث يرون أن الأثر إذا كان طويلا جدا فهو في الأغلب ضعيف.
وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:
" بعثت بجوامع الكلم ... "
قال أبوعبدالله " البخاري ": وبلغني أن جوامع الكلم: أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك.
حيث أن الإمام البخاري بطريقة كلامه السابق يؤكد أن السنة المشرفة وحي من الله تعالى كما هو القرأن الكريم.
3 - ويرى المتأمل لرسالة الإمام مالك أنه اختار الأسلوب اللين والذي فيه من المودة واللطف ما الله به عليم، وهو بذلك يتبع المنهج الرباني الذي ربى به المولى عز وجل أنبياءه وأولياءه، فقد قال تعالى مخاطبا نبيه الكريم صلوات ربي وسلامه عليه:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران:159]
لذلك فإنا نرى السنة المشرفة طافحة بالمواقف التي تبين شدة رحمته صلى الله عليه وسلم بالمسلمين وتلطفه - فداه نفسي وأبي وأمي- في نصيحتهم وتوجيههم وتعليمهم.
4 - وقد اختار الإمام مالك أن يستدل على رأيه أولا بالقرآن الكريم ثم أتى بالأدلة الأخرى، وهذا الفعل هوى الأحرى بطالب العلم الأديب، فلا بد أن يكون منهج الباحث في سرد الأدلة البدء بالقرآن الكريم ثم السنة المطهرة وبعد ذلك مابقي من الأدلة والبراهين.
5 - والإمام مالك توقع من المرسل إليه اعتراضا معينا فأتى به بعد سرد أدلته وبيانها ورد عليه.
ومن هذا نفهم أن الباحث إذا توقع اعتراضا من الفريق الذي يخالفه الرأي يأتي به وخصوصا إن كان هذا الاعتراض قويا، ثم يرد عليه، والأفضل أن يكون ذلك بعد عرض أدلة الباحث كما فعل الإمام مالك.
والله أعلم وأحكم.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[طالب العلم عبدالله]ــــــــ[09 - 05 - 07, 05:59 ص]ـ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ للهِ تَعَالَى، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.
رسالة الإمام الليث بن سعد إلى الإمام مالك بن أنس
¥