تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[في ظلال أحاديث الأحكام - حكم بيع العينة للشيخ محمد علي فركوس الجزائري]

ـ[محمد بن سليمان الجزائري]ــــــــ[19 - 05 - 07, 04:51 م]ـ

في ظلال أحاديث الأحكام - حكم بيع العينة

أولا: نص الحديث

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي رضي الله عنه قَالَ: "جَاءَ بلاَلٌ إِلَى النََّّبِي صَلَى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ " قَالَ بِلاَلٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِمَطْعَمِ النَّبِيِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: "أَوَّهٍ أَوَّهٍ، عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ"، متفق عليه (1).

ثانيا: ترجمة راوي الحديث

هو سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد الخدري، وهو مشهور بكنيته، استُصغِر بأحد، واستشهد أبوه بها، وأول مشاهده الخندق وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشر غزوة.

وكان رضي الله عنه من أفاضل الصحابة، حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنناً كثيرة، وله في كتب الحديث ألف ومائة وسبعون حديثا (2).

وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم، وقد روى له جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين، وتوفي أبو سعيد يوم الجمعة سنة أربع وسبعين ودفن بالبقيع (3).

ثالثا: غريب الحديث

- "بَرْنِي": ضرب جيّد من التمر، مدوّر وأحمر مشرّب بصفرة (4). قال أبو حنيفة: أصله فارس، قال: إنّما هو بارني، فالبار الحمل - ني: تعظيم ومبالغة (5)، وهذا النوع الجيد من التمر لا يزال معروفا في المدينة المنورة.

- "الصاع": مكيال لأهل المدينة يأخذ أربعة أمداد، يذكّر ويؤنّث (6).

- "أوه": كلمة تقال عند الشكاية والتوجّع، إلاّ أنّها ساكنة الواو، وربما قلبوا الواو ألفا فقالوا: "آه" من كذا، وربما شدّدوا الواو وكسروها وسكّنوا الهاء فقالوا: "أوِّه" من غير مد، وبعضهم يقول: "آوَّه" بالمدّ والتشديد وفتح الواو وسكون الهاء لتطويل الصوت بالشكاية، فلهذه الكلمة -إذن- اللغات الفصيحة المتقدمة (7).

- "عين الربا": حقيقة الربا المحرّم.

رابعا: المعنى الإجمالي للحديث

يبيّن الشارع الحكيم الطرق المباحة التي تغني عن الوسائل المحرّمة التي قد يفعلها مَن يجهل الحكم فيها، كما حدث لبلال الذي أحبّ أن يطعم النّبيّ صلى الله عليه وسلم من تمر جيّد، فسأله النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الكيفية والوسيلة التي استعان بها في الحصول على هذه الجودة، فأخبره بلال عن الصفقة التي أجراها متمثلة في بيع عوضين من جنس واحد مع التفاضل، فترجع النّبيّ صلى الله عليه وسلّم عند ذلك مستعظماً المعصية الناجمة من هذه المعاملة الربوية، ونهاه أن يعود لمثل ذلك، ثمّ أرشده إلى الأخذ بوسيلة جائزة تغنيه عن المحرّمة، وهي أنّه إذا أراد بيع رديء بجيّد، فعليه أن يبيع الرديء بالدراهم ثمّ يشتري بالدراهم تمرا جيّدا.

خامسا: الفوائد والأحكام المستنبطة من الحديث

تظهر الفوائد والأحكام فيما يلي:

1 - فيه دليل على أنّ بيع التمر بالتمر لا يجوز إلاّ مثلاً بمثل، بمعنى أنّه يمنع فيه التفاضل، وهو قول جماهير العلماء (7) واختلفوا في بيع التمرة الواحدة بالتمرتين، فمنعه مالك والشافعي وأحمد، خلافاً لمن احتجّ بأنّ مستهلك التمرة أو التمرتين لا تجب عليه القيمة، ولأنّه غير مكيل ولا موزون فجاز فيه التفاضل.

والصحيح ما عليه الجمهور، لأنّ ما جرى الرّبا فيه بالتفاضل في كثيره دخل قليله في ذلك قياسا ونظرا (9).

2 - فيه دليل على أنّ التفاضل في الصفات لا اعتبار له في تجويز الزيادة (10).

3 - فيه اهتمام التابع بمتبوعه في أكله وجميع أموره (11).

4 - فيه جواز الرفق بالنفس وترك الحمل عليها لاختيار أكل الطيّب على الرديء ترفيهاً في المأكل والمشرب، بشرط أن لا يصل حدّ الإسراف والتبذير المنهيّ عنه، قال تعالى: ( ... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ التِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ للَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا) (12).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير