تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحزين ومن هاجه الطربُ والحبُّ والشوقُ لا يملك من نفسه دفعَ التحزين والتطريب في القراءة , ولكنَّ النفوسَ تقبلُه وتستحليه لموافقته الطبع , وعدم التكلُّف والتصنُّع فيه , فهو مطبوع لا متطبِّع , وكَلفٌ لا متكلِّف , فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه , وهو التغنِّي الممدوح المحمود , وهو الذي يتأثر به التالي والسامعُ , وعلى هذا الوجه تُحمل أدلة أرباب هذا القول كلها , الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعةً من الصنائع , وليس في الطبع السماحةُ به , بل لا يحصلُ إلاَّ بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن , كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركبة على إيقاعات مخصوصة , وأوزانٍ مخترعة لا تحصلُ إلاَّ بالتعلُّم والتكلُّف , فهذه هي التي كرهها السلفُ وعابوها وذمُّوها , ومنعوا القراءة بها , وأنكروا على مَن قرأ بها , وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه , وبهذا التفصيل يزول الاشتباهُ , ويتبيَّن الصوابُ من غيره , وكلُّ مَن له علم بأحوال السلف يعلمُ قطعاً أنهم بُرآءُ من القراءة بألحان الموسيقى المتكلَّفة , التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة , وأنهم أتقى لله من أن يقرؤوا بها ويُسوِّغوها , ويعلمُ قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب , ويُحسِّنون أصواتهم بالقرآن , ويقرؤونه بشَجىً تارة , وبطَربٍ تارة , وبشوقٍ تارة , وهذا أمرٌ مركوز في الطباع تقاضيه , ولم ينه عنه الشارع مع شدَّة تقاضي الطباع له , بل أرشدَ إليه وندبَ إليه , وأخبر عن استماع الله لِمن قرأ به , وقال: ((ليسَ منَّا مَن لَم يتغنَّ بالقرآن)) وفيه وجهان: أحدهما: أنه إخبارٌ بالواقع الذي كلُّنا نفعله , والثاني: أنه نفيٌ لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم)) ([31]) انتهى.

وتأمَّل قوله: ((من غير تكلُّف ولا تمرين ولا تعليم)) فإنه فقه عظيم له دلالاته , فرحمَ الله ابن القيم ما أدقَّ نظره وفقهه) ([32]).

ومن لحن بعضهم: ما ذكره الشيخ عطية سالم في إكماله لتفسير أضواء البيان للعلاَّمة الشنقيطي رحمهما الله , حيث قال: (إنَّ للمدِّ حدوداً معلومة في التجويد حسب تلقِّي القراء رحمهم الله , فما زاد عنها فهو تلاعب , وما قلَّ عنها فهو تقصير في حقِّ التلاوة , ومِن هذا يُعلم: أنَّ المتخذين القرآن كغيره في طريقة الأداء من تمطيط وتزيُّد لم يراعوا معنى هذه الآية الكريمة) ([33]) , أي قوله تعالى: ((وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)) (المزمل: 4).

المسألة الثالثة: من أخطائهم في دعاء القنوت:

* مُبالغة بعض الأئمة في إطالة دعاء القنوت في الوتر , مع التقصير الفاحش في أذكار وأدعية السجود والتشهد.

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (قال البغوي: يُكره إطالة القنوت) ([34]) , (أي: بغير المشروع كالتشهد الأول) ([35]).

* مُواظبة بعضهم على أدعية يقولها في قنوته مع أنها واردة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سجوده , أو في تشهُّده , وهذه بدعة مُحدَثة.

قال الإمام النووي: (المسألة الثالثة: السنة في لفظ القنوت: اللهم اهدني فيمن هديت , وعافني فيمن عافيت , وتولَّني فيمن توليت , وبارك لي فيما أعطيت , وقني شرَّ ما قضيت , فإنك تقضي ولا يُقضى عليك , وإنه لا يذلُّ مَن واليت , تباركت ربنا وتعاليت , هذا لفظه في الحديث الصحيح بإثبات الفاء في فإنك , والواو في وإنه لا يذلُّ , وتباركت ربنا هذا لفظه في رواية الترمذي , وفي رواية أبي داود وجمهور المحدثين , ولم يثبت الفاء في رواية أبي داود , وتقع هذه الألفاظ في كتب الفقه مغيرة , فاعتمد ما حقَّقتُه , فإن ألفاظ الأذكار يُحافظ فيها على الثابت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم) ([36]).

وقال الحافظ ابن حجر: (إنَّ ألفاظ الأذكار توقيفية , ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس , فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به , وهذا اختيار المازري , قال: فيُقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه , وقد يتعلَّق الجزاء بتلك الحروف , ولعله أوحي إليه صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات فيتعيَّن أداؤها بحروفها) ([37]).

* مُبالغة بعضهم في الصياح وإظهار النغمات والخفض والرفع والتلحين والتطريب والتغنِّي في دعاء القنوت؟.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير