تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الشيخ بكر أبو زيد وفقه الله: (قال الله تعالى: ((وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً)) (بِصَلاَتِكَ): أي بدعائك , قال عائشة رضي الله عنها: ((أُنزل هذا في الدعاء)) متفق عليه ([38]) , وقال تعالى: ((ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) قال بعض المفسرين: ((أي المعتدين برفع أصواتهم في الدعاء)) وقال ابن جريج في تفسيرها: ((من الاعتداء: رفع الصوت , والنداء , والدعاء , والصياح , وكانوا يُؤمرون بالتضرُّع والاستكانة)) ([39])) ([40]).

(وقد عُرف رفع الصوت باسم: التقليس , وذكر الطرطوشي في الحوادث والبدع /63: أنَّ الإمام مالكاً رحمه الله تعالى أنكرَ التقليس في الدعاء , وهو: رفع الصوت به) ([41]) , وقال المناوي: (قال الكمال ابن الهمام: ما تعارفه الناس في هذه الأزمان , من التمطيط , والمبالغة في الصياح , والاشتغال بتحريرات النغم ([42]) , إظهاراً للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية , فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرَّد , وهذا معلوم: إن كان قصده إعجاب الناس به , فكأنه قال: اعجبوا من حسن صوتي وتحريري , ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القُرَّاء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال , وما ذاك إلاَّ نوع لعب , فإنه لو قدِّر في الشاهد: سائل حاجة من ملك أدى سؤاله , وطلَبه بتحرير النغم فيه , من الخفض والرفع , والتطريب , والترجيع , كالتغنِّي , نُسبَ البتة إلى قصد السخرية واللعب , إذ مقام طلب الحاجة: التضرُّع لا التغنِّي , فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان) ([43]).

وقد حدا ذلك بجهلَة المأمومين: إلى بدعة الزعاق بالتأمين ([44]) , وإنما المسنونُ في حقِّهم: الجهرُ بالتأمين بقدر يحصل به المقصود ([45]) , قال الشيخ بكر أبو زيد: (إنَّ التلحين , والتطريب , والتغنِّي , والتقعُّر , والتمطيط في أداء الدُّعاء مُنكرٌ عظيم , يُنافي الضَّراعة , والابتهال , والعبودية , وداعيةٌ للرياء , والإعجاب , وتكثير جمع الْمُعجَبين به , وقد أنكرَ أهلُ العلم على مَن يفعلُ ذلك في القديم والحديث , فَعَلى مَن وفَّقه الله تعالى وصارَ إماماً للناس في الصلوات , وقَنَتَ في الوتر أن يجتهد في تصحيح النيَّة , وأن يُلقيَ الدعاء بصوته المعتاد , بضراعة وابتهال , مُتخلِّصاً مِمَّا ذُكر , مجتنباً هذه التكلُّفات الصارفة لقلبه عن التعلُّق بربِّه) ([46]).

وقال أيضاً: (وقد سَرَت بعض هذه المحدثات إلى بعض قُفاة الأثر , فتسمع في دعاء القنوت عند بعض الأئمة في رمضان الجهر الشديد , وخفض الصوت ورفعه في الأداء حسَب مواضع الدعاء , والمبالغة في الترنُّم , والتطريب , والتجويد , والترتيل , حتى لكأنه يقرأ سورة من كتاب الله تعالى , ويستدعي بذلك عواطف المأمومين ليجهشوا بالبكاء , والتعبُّد بهذه المحدثات في الإسلام , وهذه البدع الإضافية في الصوت والأداء , للذكر والدعاء , هي في أصلها من شعائر الجاهلية التي كانوا يُظهرونها في المسجد الحرام , كما قال الله تعالى مُنكراً عليهم: ((وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً)) الْمُكاء: الصفير ([47]).

والتصدية: التصفيق بضرب اليد على اليد بحيث يُسمع له صوت ([48])) إلى أن قال: (وما يتبعها من الألحان , والتلحين , والترنم , والتطريب هو مشابهة لِما أدخله النصارى من الألحان في الصلوات , ولم يأمرهم بها المسيح ولا الحواريون , وإنما ابتدعه النصارى كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى) ([49]).

المسألة الرابعة: تتبُّع بعض الرجال والنساء المساجد بحثاً عن أصحاب الأصوات الحسَنة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير