تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله قول (محمد بن بحر: رأيتُ أبا عبد الله في شهر رمضان وقد جاء فضل بن زياد القطان فصلَّى بأبي عبد الله التراويح , وكان حَسَنَ القراءة , فاجتمع المشايخ وبعض الجيران حتى امتلأ المسجد , فخرج أبو عبد الله فصعد درجة المسجد فنظر إلى الجمع , فقال: ما هذا تدَعُون مساجدكم وتجيئون إلى غيرها , فصلَّى بهم لياليَ ثم صَرَفه كراهية لما فيه , يعني من إخلاء المساجد , وعلى جار المسجد أن يُصلِّي في مسجده) ([50]) انتهى.

وقال رحمه الله: (الوجهُ الرابعُ والخمسونَ: أنه نهى الرجلَ أن يتخَطَّى المسجدَ الذي يليه إلى غيرهِ , كما رواهُ بَقِيَّةُ عن الْمُجَاشعِ بن عمرو عن عبيد الله عن نافع عن ابن عُمَرَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((لِيُصَلِّ أحدكم في المسجدِ الذي يليه ولا يتخَطَّاهُ إلى غيرهِ)) وما ذاكَ إلاَّ لأنهُ ذريعةٌ إلى هجرِ المسجدِ الذي يليه , وإيحاشِ صدرِ الإمامِ , وإنْ كان الإمامُ لا يُتمُّ الصلاةَ , أو يرمي ببدعةٍ , أو يُعلن بفُجُورٍ فلا بأسَ بتَخطِّيهِ إلى غيره) ([51]) انتهى.

قال الشيخ بكر أبو زيد: (وما نبَّهتُ على هذا ([52]) إلاَّ لأنه أخذ يُمثِّلُ في زماننا هذا ظاهرة لها صفة التكاثر , والفضائل لا تُدركُ بارتكاب النواهي , مع أنه فتنةٌ للمتبوع , والله تعالى أعلم) ([53]) انتهى.

ونجدُ بعض المفتونين بحُبُّ الصلاة خلف اللَّحانين يُسافر من بلد إلى آخر لكي يُصلِّي خلف القارئ فلان.

قال الشيخ بكر أبو زيد: (بل بلَغنا بخبر الثقات عن مشاهدةٍ منهم: أنَّ بعضهم يُسافر من بلد إلى آخر في أيام رمضان ليُصلِّي التراويح في مسجدٍ إمامُه حَسَن الصوت , فانظروا رحمكم الله: كيف خُرق سياج السنة في النهي عن شدِّ الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام , والمسجد النبوي , والمسجد الأقصى) ([54]).

بل وصل الأمر:

أنْ سمعنا بعض الشباب والبنات يذكرون حُبَّهم للقارئ فلان لصوته الحسن؟ وعشق الصوت الْمُجرَّد: (كعشق الصورة في النهي سواء , وعلى شبابنا وأخواتنا ألاَّ يغترُّوا بفعلات المتصوِّفة من التعبُّد بعشق الصورة بدون فاحشة , وإكرام صاحبها , والتعبُّد بعشق الصوت الْحَسَن بدون قول زور أو منكر , وجعل ذلك من سبل التعبُّد والإكرام: فهذا ضلال وفساد) ([55]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإنَّ محبَّة النفوس: الصورة والصوت , قد تكون عظيمة جداً , فإذا جعل ذلك ديناً , وسُمِّي لله , صار كالأنداد , والطواغيت المحبوبة تديُّناً وعبادة , كما قال تعالى: ((وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ)) (البقرة:93) ([56]).

المسألة الخامسة: الْمُبالغة في المواظبة على قراءة ما يُسمَّى بدعاء ختم القرآن , والْمُبالغة من المفتونين من المأمومين بتتبُّع هذه الختمات بين المساجد , وخاصة مساجد القرَّاء الْمُبالغين في اللحن والتطريب.

ودعاء ختم القرآن في الصلاة كما قال الشيخ بكر أبو زيد , وأقرَّه الشيخ العلاَّمة محمد العثيمين رحمه الله: (لا يُعرف ورود شيء فيه أصلاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم , ولا عن أحد من صحابته رضي الله عنهم مُسنداً , وإنَّ قاعدة العبادات: وقفها على النصِّ ومورده , وإنَّ من مقتضيات الشهادة بأنَّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ لا يُعبد الله إلاَّ بما شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم , قال الله تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (الحشر: 7).

وهذا العمل مِمَّا لم يُعلم وروده عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم) ([57]) انتهى.

إنَّ طلبة العلم في بلادنا وفقهم الله من أحرص الناس على الأخذ بالدليل , وإذا سُئلوا عن عبادةٍ لم ترد على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أجمعوا على أنَّ التعبُّد بها بدعة , وذلك لالتزامهم بالعمل بالأثر , إلاَّ أننا نجد أكثرهم يقفون عن العمل بالأثر عند هذه المسألة , وهي: دعاء ختم القرآن في الصلاة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير