تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لست أستغنم الكثير فطبعي ... قولُ "خذ"، ليس مذهبي قولُ "هاتِ"

وقد كفانا مشكورا بعضَ الذي أثَرْتَه الفاضلُ "الفهم الصحيح"، كعادته مبتدرا مقتدرا .. لكن في الجعبة مزيد فائدة سأورده فيما بعد -إن شاء الله-، وقد يعيننا على الارتقاء من مدارج الفهم إلى معارج الذوق.

فإلى لقاء قريب. والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

ـ[الجهشياري]ــــــــ[16 - 02 - 08, 12:08 ص]ـ

الحمد لله وحده.

الأخ الودود: ابن عبد الغني، أغناك الله بما هو خير لك في الدارين.

أبى عليَّ ثناؤك –الذي لا أراه مستحقا- إلا أن أُفرِدك بجواب، ورجائي أن لا تُفرد الأخ "الفهم الصحيح" بما قد يتأتى لك من "لوزينج"؛ فتشركنا في مائدة الحلويات، كما أشركتنا في مائدة العلم!

ولكن قل لي –بالله عليك- ما هو اللوزينج بالضبط؟ وما الذي يقابله في حلوياتنا الشعبية؟ فهو بالنسبة لي كالغول، والعنقاء، والخل الوفي .. ولعله كالمعيدي "أن تسمع به خير لك من أن تراه"! وقد نحتاج في سبيل تذوقه إلى استعمال "التقية"، وشد الرحال إلى طهران أو إصفهان ..

أمَّا عن "حشو اللوزينج"، وهو محور حديثتا، فكذا سمَّاه الصاحب بن عبَّاد؛ مبررا ذلك بأن "حشو اللوزينج خير من خبزته". فقول عوف بن ملحم "وبلِّغتَها": حشو حسن، بل هو لحسن وقوعه أحلى من البيت كله! وبعضهم يسمِّيه اعتراضاً، وبعض آخر: التفاتا، وبعض ثالث: تتميما، وبعض رابع: تكميلا.

قال صاحب "الخزانة":

وقد غلط غالب المؤلفين في هذا الباب، وخلطوا التكميل بالتتميم، وساقوا في باب التتميم شواهد التكميل. فمن ذلك قول عوف السعدي:

إنَّ الثمانين وبُلِّغْتَها **** قد أحوجَتْ سمعي إلى ترجمانْ

هذا البيت ساقوه من شواهد التتميم، وهو أبلغ شواهد التكميل؛ فإن معنى البيت تام بدون لفظة "وبلِّغتها"، وإذا لم يكن المعنى ناقصا، فكيف يسمى هذا تتميما؟ وإنما هو: تكميل حسن".

أمّا صاحب "العمدة فقال:

"قوله "وبلِّغتها": التفات. وقد عدَّه جماعة من الناس تتميماً، والالتفات أشكل وأولى بمعناه. ومنزلة الالتفات في وسط البيت كمنزلة الاستطراد في آخر البيت، وإن كان ضده في التحصيل؛ لأن الالتفات تأتي به عفواً وانتهازاً، ولم يكن لك في خلد، فتقطع له كلامك، ثم تصله بعد إن شئت، والاستطراد تقصده في نفسك، وأنت تحيد عنه في لفظك حتى تصل به كلامك عند انقطاع آخره، أو تلقيه إلقاء وتعود إلى ما كنت فيه".

وأبى صاحب "نضرة الاغريض" إلا التميُّز، فنعته بـ "الحشو السديد"!

وحاصل القول أن "وبلِّغتها" جملة اعتراضية، جاء بها الشاعر التفاتا وعفو خاطر، فأتمَّت المعنى وأكملته على وجه بالِغ الحسن.

وضبط "وبلِّغتَها" بفتح التاء ليس محل جدل بين الرواة ولا النقاد. بل لاشتهار هذا الضبط، التزمه بعض المفسرين على الوجه الذي ذكرناه. قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدَّمَتْ أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إنْ أردنا إلا إحسانا وتوفيقا)، قال بعد أن استشهد ببيت عوف السعدي: " فقوله: "وبلِّغْتَها" كلام أجنبي وقع في البين، إلا أن هذا الكلام الأجنبي شرطه أن يكون له من بعض الوجوه تعلق بذلك المقصود كما في هذا البيت؛ فان قوله: "بلِّغْتَها" دعاء للمخاطَب وتلطف في القول معه .. "

وقال صاحب "نضرة الاغريض": " قوله: "وبُلِّغْتَها" حشو سديد، وقد أفادت من الدّعاء معنى جيداً. وأنشد اليزيديّ:

فمَنْ ليَ بالعيْنِ التي كنتَ مرّةً ... إليّ بها، نفْسي فِداؤكَ، تنظُرُ

قوله: "نفسي فداؤكَ"، كقولهِ: "وبُلِّغْتَها"، في الدُعاء. وقال أبو الوليد عبد الملك بن عبد الرحمن الحارثي:

فلَوْ بِكَ ما بي، لا يكُنْ بكَ، لاغتدَى**** وراحَ إليكَ البِرُّ بي والتّقَرُّبُ".

وقال الخفاجي:

"ولكل من ذلك مثال. فمثال الكلمة التي تقع حشوا وتفيد معنى حسناً: قول أبي الطيب:

وتحتقر الدنيا احتقار مجرب **** يرى كل ما فيها –وحاشاك- فانياً

لأن "حاشاك" ها هنا لفظة لم تدخل إلا لكمال الوزن؛ لأنك إذا قلت "احتقار مجرب يرى كل ما فيها فانياً" كان كلاماً صحيحاً مستقيما. فقد أفادت مع إصلاح الوزن دعاءً حسنا للممدوح في موضعه. ومثله قول ابن محلم:

إن الثمانين –وبُلِّغْتَها- **** قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير