لأن "وبلِّغتَها" تجرى مجرى "وحاشاك" في الفائدة. ولو ألغيت من البيت، لصح المعنى دونها على حد ما قلناه في البيت الأول. وليس يخفى على المتأمل حسن المقصود بحاشاك وبلغتها في هذين الموضعين". (انتهى النقل)
وقوله "لم تدخل إلا لكمال الوزن" فيه نظر، وقد استدرك ذلك بالجملة الأخيرة من نصه الذي نقلناه.
ومن أروع من استعمل "حشو اللوزينج" من بين الشعراء المعاصرين: بدوي الجبل، في قصيدته التي يهجو فيها "جمال عبد الناصر"، ومطلعها:
كافورُ قد جُنَّ الزمانُ ... وإليك آلَ الصولَجانُ
والشاهد قوله:
كافورُ عرشُك للفناء، وربما آن الأوانُ
الخالدان –ولا أعدُّ الشمسَ- شِعري والزمانُ!
والقصيدة من أروع ما قيل في الهجاء السياسي في العصر الحديث .. ولئن كان "شوقي" أمير الشعراء، فإن بدوي الجبل عبقري الشعراء بلا منازع ..
هذا، ومن عجيب ما لاحظت: أن عددا لا بأس به من المصادر التي أتت بهذا البيت شاهدا على "الحشو الحسن"، ضبطت مطلع القصيدة كالتالي:
يا ابْنَ الذي دان له المَشرقانْ ... طُراًّ وقد دان له المغربانْ
ولعمري، إنه ما من شيء في لغة الشعر أثقل على الأذن المتذوقة "السمِّيعة" من "طُراًّ" هذه! والشعراء يعلمون قبل غيرهم أنه لا يلجأ إليها إلا من غلب عليه التكلف أو استعصت عليه بحور الشعر، فيستغيث بها لملء فراغ عروضي حبسه وأبكم خياله. كما أن الشطر الثاني كله في هذه الرواية يصبح تكرارا ممجوجا مرذولا، لأن "المشرقين" هما "مغربان" على وجه الحقيقة والحس. وتطلق "المشرقان"، ويراد بها ما بين المشرق والمغرب؛ وكذا الأمر بالنسبة لقولهم "المغربان" .. وبعض المصادر أوردت مطلع القصيدة بهذا اللفظ:
يا ابنَ الذي دَانَ له المَشْرِقانْ **** وأُلْبِس العَدْلَ بهِ المَغْرِبانْ
وبعضها كما يلي:
يا ابْنَ الذي دان له المشرقانْ **** وأُلْبِسَ الْأَمْنَ به المَغرِبانْ
وهاتان الروايتان أقرب إلى ديباجة القصيدة وأسلوب قائلها، وأكثر مناسبة للمعنى المراد، وهو الجمع بين طاعة الرعية وشعورها بالأمن أو بالعدل.
وهناك رواية ثالثة للبيت نفسه، وهي:
يا ابنَ الذي دان له المشرقانْ **** مِنْ بعد أنْ دان له المغربان
لكنها أردأ من الرواية الأولى التي اعترضنا على صحتها و"جماليتها" ..
وأروع ما في قصيدة عوف، قوله:
فَقرّباني بأبي أنتُما **** من وطني قبلَ اصفرارِ البَنانْ
وقبلَ منعايَ إلى نسْوة **** أوطانُها حَرّانُ والرَّقَّتانْ
سقى قصورَ الشَّاذياخِ الحيا **** بعدَ وَداعي وقصورَ الميانْ
فكمْ وكمْ من دَعوةٍ لي بها **** أنْ تَتخطَّاها صُروفُ الزَّمانْ
ولا يستشعرها إلا من عانى لواعج الاغتراب .. نسأل الله أن يرد كل غريب إلى وطنه سالما غانما.
وفي الأخير أرى من المناسب أن أختم بطرفة، أراها مناسبة لجمعها بين الإشارة إلى الثمانين وبين تصحيفات النسّاخ: قال ابن الجوزي:
قال العسكري: وأنبأ أبو بكر بن الأنباري قال: حدثنا أبي قال: "قرأ القطربلي على ثعلب بيت الأعشى:
فلو كنت في حب ثمانين قامةً ... ورقّيت أسباب السماء بسلَّمِ
قال له أبو العباس: "خرب بيتك! هل رأيت حباً ثمانين قامة قط؟ إنما هو جب! "
والله من وراء القصد.
*استدراك:
قال صاحب "الصبح المنبي": "ومما أوردوه في حسن الحشو البيت المشهور وهو:
إن الثمانين وبُلغتَها **** قد أحوجتُ سمعي إلى تَرْجُمان
بشريطة أن يكون لفظ "وبلّغتها" بتاء الخطاب. أما إذا كانت للمتكلم، فليس منه. لكن أفادنا المولى المعنون باسمه الشريف هذا الكتاب، أن البيت فيه نظر يظهر بالتأمل، إذا كان بتاء الخطاب. ولم نسمع بهذا النقد من غيره، أدام الله علوه".
وهو نقد لطيف، ومراده: هل من المدح أن تتمنى للمدوح بلوغ الثمانين؟ ولعله في نقده استصحب أحاديث الاستعاذة من أن يُرَدَّ إلى أرذل العمر. والله أعلم.
ـ[الجهشياري]ــــــــ[16 - 02 - 08, 08:27 ص]ـ
قال صاحب "الصبح المنبي": "ومما أوردوه في حسن الحشو البيت المشهور وهو:
إن الثمانين وبُلغتَها **** قد أحوجتُ سمعي إلى تَرْجُمان
.... قد أحْوَجَتْ سمعي ...
ـ[طالب شريف]ــــــــ[16 - 02 - 08, 08:43 م]ـ
أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن الشهير بحُلُولُو الوامح - كما نسمع من مشايخنا - أو القروي أو الزليطني من فقهاء المالكية ... له ترجمة في تطريز الديباج وتوشيحه وشجرة النور وتكميل صلحاء القيروان ... من علماء القرن التاسع ... طبع من كتبه " الضياء اللامع في شرح جمع الجوامع " و " المسائل المختصرة من فتاوى البرزلي ".
جزاكم الله خيراً أخي الحبيب، وبارك فيكم.
ـ[توبة]ــــــــ[17 - 02 - 08, 12:21 ص]ـ
الشيخُ الفاضلُ (الفهمَ الصحيحَ) ُ
جزاكم الله خيرا.
إن الثمانين -و بُلِّغتَها- **** قد أحوجت سمعي إلى تَرْجُمان
ما محل الواو في هذه الجملة الاعتراضية؟ إذ أني استثقلتُها في معرض الدعاء، و أظن أن لها وجها أقوى في استعمالها مع صيغة المتكلم،بمعنى" وقد بلِّغتُها".
ثم ما الأصح في ضبط (ترجمان)؟ -وإن كان ليس اسما لعَلَم .. -
¥