تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

شاهد المقال: أنَّ للصوم تأثيراً كبيراً في دفع الشهوات وكسر حدَّتها، ولهذا يقول المصطفى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: (الصوم جُنَّة) أخرجه البخاري (4/ 87،94) ومسلم: (1151) ومعنى جُنَّة: أي درعٌ واقية من الإثم في الدنيا، ومن النار في الآخرة، وفي الحديث الآخر: (الصيام جنة من النار كجنَّة أحدكم من القتال) أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبَّان عن عثمان بن أبي العاص، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (3879)، وفي الحديث الآخر: (الصيام جنَّة، وهو حصن من حصون المؤمن) أخرجه الطبراني عن أبي أمامة، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع: (3881)

ويعجبني ما قاله الشيخ الدكتور: مصطفى السباعي ـ رحمه الله ـ حين ذكر حديث: (الصوم جنَّة) ثم عقَّب قائلاً: فقد قدَّم الحكمة من الصيام ثمَّ بيَّن آدابه، ليكون أوقع في النفس وأعمق أثراً، وليكون المؤمن أكثر اطمئناناً إلى العبادة حين يؤدِّيها، وإلى التشريع حين ينفذه) (أحكام الصيام وفلسفته: للسباعي/ صـ 53)

وإذا كبَح الصوم المعاصي نال العبد منزلة راقية في العبودية لله؛ لأنَّ الصوم ـ الذي يراد به مجرد الإمساك عن الطعام والشراب ـ يستطيعه كثير من الناس، بيدَ أنَّه ـ سبحانه ـ أراد من عباده أن يكون صومهم منقياً لهم من المعاصي وما دار في فلكها، وقد ذكرالإمام ابن حجر العسقلاني أنَّ العلماء: (اتفقوا أنَّ المراد بالصيام صيام من سلم صيامه من المعاصي قولاً وفعلاً) والحقيقة أنَّ الناس انقسموا في الصيام إلى عدَّة أقسام: فمنهم من يكون صيامه الإمساك عن الأكل والشرب فقط، إلاَّ أنَّه مرتكب للفواحش مطلق بصرَه لما حرَّم الله من النظر إلى النساء اللاَّتي لا يحللن له، وبعضهم قد أرخى لأذنه لكي تستمع للأغاني المحرمة، ولا يخفى على ذي لبٍّ ما فيها من الفسق والكلام الفاحش، وبعضهم أطلق لفمه العنان فينطق بالكلام الساقط، والعبارات الرذيلة، والغيبة والنميمة والكذب؛ فهل هذا صيام من أراد جنَّة الرضوان؟

وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ حين قال: (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظُّه من قيامه السهر والتعب) أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة (2/ 373،441) وابن ماجه في سننه برقم (1690) بسندٍ جيد، وانظر صحيح الترغيب (1070).

إذا لم يكن في السمع مني تصاون وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صمت

فحظِّي إذاً من صومي الجوع والظما فإن قلت: إني صمت يومي فما صمت

ولهذا فإنَّ هؤلاء الذين فرَّطوا بصيامهم يعتبرون محرومين في شهر الصوم، مفلسين في شهر الجود والإحسان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مرَّة لأصحابه: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: (المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه ثمَّ طرح في النار) أخرجه مسلم.

والمقصد: أنَه ينبغي على المرء أن يكون بكليَّته صائماً عمَّا حرَّم الله في شهر رمضان وفي غيره من الشهور؛ فإنَّ رمضان هو المحطة السنوية للغسيل الروحي، وليس يعني ذلك أنَّ المسلم إذا صام عن المحرمات في رمضان، أنَّه يجوز له أن يقترف ما حرَّم الله من المعاصي والموبقات في غير هذا الشهر؛ فليكن رمضان زاداً إيمانياً لكل الشهور القادمة من بعده، ودورة تربوية يزداد فيها رصيد العمل الصالح، ويكثر فيه محاسبة النفس ومنعها من الحرام، وقد قال الله: (فأمَّا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإنَّ الجنَّة هي المأوى).

أمَّا إذا كان صوم المسلم عن المحرمات في هذا الشهر، ومن ثمَّ إذا أدبرت شمس اليوم الأخير منه، عاد إليها كما لو أنَّ شيئاً لم يكن؛ فإنَّه لا يناسبه إلاَّ ما قاله الإمام أحمد والفضيل بن عياض: بئس القوم الذين لا يعرفون الله إلاَّ في رمضان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير